«اليهود» فعلماؤهم عرفوه وتيقنوا أنه محمد بن عبد الله فمنهم من آمن به ومنهم من جحد نبوته وقالوا لأتباعه أنه لم يخرج بعد. وأما «النصارى» فوضعوا بشارات التوراة والنبوات التي بعدها على المسيح ، ولا ريب أن بعضها صريح فيه وبعضها ممتنع حمله عليه وبعضها محتمل ، وأما بشارات المسيح فحملوها كلها على الحواريين ، وإذا جاءهم ما يستحيل انطباقه عليهم حرفوه أو سكتوا عنه وقالوا لا ندري من المراد به (الرابع) اعتراف من أسلم منهم بذلك وانه صريح في كتبهم ، وعن المسلمين الصادقين منهم تلقى المسلمون هذه البشارات وتيقنوا صدقها وصحتها بشهادة المسلمين منهم بها مع تباين أعصارهم وأمصارهم وكثرتهم وانفاقهم على لفظها ، وهذا يفيد القطع بصحتها ولو لم يقر بها أهل الكتاب ، فكيف وهم مقرون بها لا يجحدونها وإنما يغالطون في تأويلها والمراد بها؟! وكل واحد من هذه «الطرق الأربعة» كاف في العلم بصحة هذه البشارات ، وقد قدمنا أن إقدامه صلىاللهعليهوسلم على إخبار أصحابه وأعدائه بأنه مذكور في كتبهم بنعته وصفته وأنهم يعرفونه كما يعرفون أبناءهم وتكراره ذلك عليهم مرة بعد مرة في كل مجمع وتعريفهم بذلك وتوبيخهم والنداء عليهم به من أقوى الأدلة القطعية على وجوده من وجهين «أحدهما» قيام الدليل القطعي على صدقه «الثاني» دعوته لهم بذلك إلى تصديقه ولو لم يكن له وجود لكان ذلك من أعظم دواعي تكذيبه والتنفير عنه.
[وقوع التحريف في التوراة ، وفريتهم على الأنبياء]
[سبعون كاهنا اجمعت على تبديل (١٣) حرفا من التوراة]
(فصل) وهذه الطرق يسلكها من يساعدهم على أنهم لم يحرفوا ألفاظ التوراة والإنجيل ولم يبدلوا شيئا منها فيسلكها بعض نظار المسلمين معهم من غير تعرض إلى التبادل والتحريف. وطائفة أخرى تزعم أنهم بدلوا وحرفوا كثيرا من ألفاظ الكتابين ، مع أن الغرض الحامل لهم على ذلك دون الغرض الحامل لهم على تبديل البشارة برسول الله صلىاللهعليهوسلم بكثير ، وأن البشارات لكثرتها لم يمكنهم إخفاؤها كلها وتبديلها ، ففضحهم ما عجزوا عن كتمانه أو تبديله. وكيف ينكر من الأمة الغضبية قتلة الأنبياء الذين رموهم بالعظائم أن يكتموا نعت رسول