ابْنُ اللهِ) [التوبة : ٣٠] ، وقولهم : (نَحْنُ أَبْناءُ اللهِ وَأَحِبَّاؤُهُ) [المائدة : ١٨] وقولهم : إن الله بكى على الطوفان حتى رمد من البكاء وجعلت الملائكة تعوده ، وقولهم : إنه عض أنامله على ذلك ، وقولهم : إنه ندم على خلق البشر وشق عليه لما رأى من معاصيهم وظلمهم ، وأعظم من ذلك نسبة هذا كله إلى التوراة التي أنزلها على كليمه. فلو بلغت ذنوب المسلمين ما بلغت لكانت في جنب ذلك كتفلة في بحر ، ولا تنس «قصة أسلافهم مع شاؤل الخارج على داود» فإن سوادهم الأعظم انضم إليه وشدوا معه على حرب داود ، ثم لما عادوا إلى طاعة داود وجاءت وفودهم وعساكرهم مستغفرين معتذرين بحيث اختصموا في السبق إليه فنبغ منهم شخص ونادى بأعلى صوته : لا نصيب لنا في داود ولا حظ في شاؤل ، ليمض كل منكم إلى خبائه يا إسرائيليين ، فلم يكن بأوشك من أن ذهب جميع عسكر بني إسرائيل إلى أخبيتهم بسبب كلمته ، ولما قتل هذا الصائح عادت العساكر جميعها إلى خدمة داود ، فما كان القوم إلا مثل همج رعاع يجمعهم طبل ويفرقهم عصى!!
[افتراق اليهود ، واختلاقهم كتاب علم الذباحة]
(فصل) وهذه «الأمة الغضبية» وإن كانوا مفترقين افتراقا فيجمعهم فرقتان «القرابون والربانيون» وكان لهم أسلاف فقهاء وهم صنفوا لهم كتابين : أحدهما يسمى «المشنا» ومبلغ حجمه نحو ثمانمائة ورقة ، والثاني يسمى «التلمود» ومبلغه قريب من نصف حمل بغل ، ولم يكن المؤلفون له في عصر واحد وإنما ألفوه في جيل بعد جيل ، فلما نظر متأخروهم إلى ذلك وأنه كلما مر عليه الزمان زادوا فيه ، وفي الزيادات المتأخرة ما ينقض كثيرا من أوله ، علموا أنهم أن لم يقفلوا باب الزيادة وإلا أدى إلى الخلل الفاحش فقطعوا الزيادة وحظروها على فقهائهم وحرموا من يزيد عليه شيئا فوقف الكتاب على ذلك المقدار ، وكان فقهاؤهم قد حرموا عليهم في هذين الكتابين مؤاكلة من كان على غير ملتهم ، وحظروا عليهم أكل اللحمان من ذبائح من لم يكن على دينهم ، لأنهم علموا أن دينهم لا يبقى عليهم مع كونهم تحت الذل والعبودية وقهر الأمم لهم إلا أن يصدوهم عن مخالطة من كان على غير ملتهم ، وحرموا عليهم مناكحتهم والأكل