ومعرفة الطريق الموصلة إليه ، ومآله بعد الوصول إليه.
[اشراق الأرض بالنبوة وظلمتها بفقدها]
[المعرض عنها يتقلب في ظلمات والمؤمن في أنوار]
فأهل الأرض كلهم في ظلمات الجهل والغي إلا من أشرق عليه نور النبوة. كما في المسند وغيره من حديث عبد الله بن عمر عن النبي صلىاللهعليهوسلم ، قال : «إن الله خلق خلقه في ظلمة وألقى عليهم من نوره ، فمن أصابه من ذلك النور اهتدى ومن أخطأه ضل ، فلذلك أقول جف القلم على علم الله» ، ولذلك بعث الله رسله ليخرجوا الناس من الظلمات إلى النور ، فمن أجابهم خرج إلى الفضاء والنور والضياء ، ومن لم يجبهم بقي في الضيق والظلمة التي خلق فيها ، وهي : ظلمة الطبع ، وظلمة الجهل ، وظلمة الهوى ، وظلمة الغفلة عن نفسه وكمالها وما تسعد به في معاشها ومعادها. فهذه جملتها ظلمات خلق فيها العبد ، فبعث الله رسله لإخراجه منها إلى العلم والمعرفة والإيمان والهدى الذي لا سعادة للنفس بدونه البتة ، فمن أخطأه هذا النور أخطأه حظه وكماله وسعادته وصار يتقلب في ظلمات بعضها فوق بعض ، فمدخله ظلمة ومخرجه ظلمة ، وقوله ظلمة ، وعمله ظلمة ، وقصده ظلمة ، وهو متخبط في ظلمات طبعه وهواه وجهله ، وقلبه ، مظلم ، ووجهه مظلم ، لأنه يبقى على الظلمة الأصلية ، ولا يناسبه من الأقوال والأعمال والإرادات والعقائد إلا ظلماتها ، فلو أشرق له شيء من نور النبوة لكان بمنزلة إشراق الشمس على بصائر الخفاش.
بصائر أغشاها النهار بضوئه |
|
ولائمها قطع من الليل مظلم |
يكاد نور النبوة يعمي تلك البصائر ويخطفها لشدته وضعفها. فتهرب إلى الظلمات لموافقتها لها وملاءمتها إياها. والمؤمن عمله نور ، وقوله نور ، ومدخله نور ، ومخرجه نور ، وقصده نور ، فهو يتقلب في النور في جميع أحواله. قال الله تعالى : (اللهُ نُورُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ ، كَمِشْكاةٍ فِيها مِصْباحٌ ، الْمِصْباحُ فِي زُجاجَةٍ ، الزُّجاجَةُ كَأَنَّها كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ يَكادُ زَيْتُها يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نارٌ ، نُورٌ عَلى نُورٍ يَهْدِي اللهُ