والخيلاء ، وقلة الورع واليقين وقلة الرحمة والمروءة والحمية ، وكثرة الهلع ، والتكالب على الدنيا ، والكسل في الخيرات وهذا الحال يكذب لسان المقال» والجواب من وجوه :
(أحدها) أن يقال : ما ذا على الرسل الكرام من معاصي أممهم وأتباعهم؟! وهل يقدح ذلك شيئا في نبوتهم أو يغير وجه رسالتهم؟! وهل سلم من الذنوب على اختلاف أنواعها وأجناسها إلا الرسل صلوات الله وسلامه عليهم؟! وهل يجوز رد رسالتهم وتكذيبهم بمعصية بعض أتباعهم لهم؟! وهل هذا إلا من أقبح التعنت؟! وهو بمنزلة رجل مريض دعاه طبيب ناصح إلى سبب ينال به غاية عافيته فقال : لو كنت طبيبا لم يكن فلان وفلان وفلان مرضى! وهل يلزم الرسل أن يشفوا جميع المرضى بحيث لا يبقى في العالم مريض؟! هل تعنت أحد من الناس للرسل بمثل هذا التعنت؟!
[ذنوب الموحدين من المسلمين في جنب عظائم اليهود والنصارى
كتفلة في بحر (١)!]
(الوجه الثاني) أن الذنوب والمعاصي أمر مشترك بين الأمم لم تزل في العالم من طبقات بني آدم عالمهم وجاهلهم وزاهدهم في الدنيا وراغبهم وأميرهم ومأمورهم ، وليس ذلك أمرا اختصت به هذه الأمة حتى يقدح به فيها وفي نبيها (الوجه الثالث) أن الذنوب والمعاصي لا تنافي الإيمان بالرسل ، بل يجتمع في العبد الإسلام والإيمان والذنوب والمعاصي ، فيكون فيه هذا وهذا. فالمعاصي لا تنافي الإيمان بالرسل وإن قدحت في كماله وتمامه (الوجه الرابع) أن الذنوب تغفر بالتوبة النصوح ، فلو بلغت ذنوب العبد عنان السماء وعدد الرمل والحصا ثم تاب منها تاب الله عليه ، قال تعالى : (قُلْ يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللهِ إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) [الزمر : ٥٣] ، فهذا في حق التائب ، فإن التوبة تجبّ ما قبلها ، والتائب من الذنب كمن لا ذنب له ، والتوحيد يكفر الذنوب ، كما في
__________________
(١) وانظر ص ٦١٣ ، ٦١٤