أفلا يستحي من تعيير المسلمين من هذا شرعه ودينه؟!
[ما لاقاه إخوان القردة .. من الإذلال والصغار من مختلف الأمم والدول]
[وكان سبب طمس معالم دينهم وآثارهم]
(فصل) ولا يستبعد اصطلاح الأمة الغضبية على المحال واتفاقهم على أنواع من الكفر والضلال فإن الدولة إذا انقرضت عن أمة باستيلاء غيرها عليها وأخذ بلادها انطمست حقائق سالف أخبارها ودرست معالم دينها وآثارها ، وتعذر الوقوف على الصواب الذي كان عليه أولوها وأسلافها ، لأن زوال الدولة عن الأمة إنما يكون بتتابع الغارات وخراب البلاد واحراقها وجلاء أهلها عنها ، فلا تزال هذه البلايا متتابعة عليها إلى ان تستحيل رسوم دياناتها وتضمحل أصول شرعها وتتلاشى قواعد دينها ، وكلما كانت الأمة أقدم واختلفت عليها الدول المتناولة لها بالإذلال والصغار كان حظها من اندراس دينها أوفر وهذه الأمة الغضبية أوفر الأمم حظا من ذلك ، فانها أقدم الأمم عهدا ، واستولت عليها سائر الأمم من الكندانيين والكلدانيين والبابليين والفرس واليونان والنصارى ، وما من هذه الأمم أمة إلا وقصدت استئصالهم وإحراق كتبهم وتخريب بلادهم ، حتى لم يبق لهم مدينة ولا جيش ولا حصن إلا بأرض الحجاز وخيبر فأعز ما كانوا هناك ، فلما قام الإسلام واستعلن الرب تعالى من جبال فاران صادفهم تحت ذمة الفرس والنصارى وصادف هذه الشرذمة بخيبر والمدينة فأذاقهم الله بالمسلمين من القتل والسبي وتخريب الديار ذنوبا مثل ذنوب أصحابهم ، وكانوا من سبط لم يصبهم الجلاء فكتب الله عليهم الجلاء وشتتهم ومزقهم بالإسلام كل ممزق ، ومع هذا فلم يكونوا مع أمة من الأمم أطيب منهم مع المسلمين ولا آمن ، فإن الذي نالهم من النصارى والفرس وعباد الأصنام لم ينلهم من المسلمين مثله ، وكذلك الذي نالهم مع ملوكهم العصاة الذين قتلوا الأنبياء وبالغوا في طلبهم وعبدوا الأصنام ، وأحضروا من البلاد سدنة للأصنام لتعظيمها وتعظيم رسومها في العبادة وبنوا لها البيع والهياكل وعكفوا على عبادتها وتركوا لها أحكام التوراة وشرع موسى أزمنة طويلة وأعصارا متصلة ، فإذا كان هذا شأنهم مع ملوكهم فما الظن بشأنهم مع أعدائهم أشد الأعداء عليهم كالناصري الذين عندهم أنهم قتلوا المسيح وصلبوه