[إنكار النبوات معناه جحد الخالق والجهل بالحقائق]
[وما وقع للفلاسفة والمجوس والنصارى واليهود من ذلك]
ولذلك كان جحد نبوة خاتم أنبيائه ورسله وإنزال كتبه وتكذيبه إنكارا للرب تعالى في الحقيقة وجحودا له ، فلا يمكن الإقرار بربوبيته وإلهيته وملكه بل ولا بوجوده مع تكذيب محمد بن عبد الله صلىاللهعليهوسلم ، وقد أشرنا إلى ذلك في المناظرة التي تقدمت ، فلا يجامع الكفر برسول الله صلىاللهعليهوسلم الإقرار بالرب تعالى وصفاته أصلا ، كما لا يجامع الكفر بالمعاد واليوم الآخر الإقرار بوجود الصانع أصلا. وقد ذكر سبحانه ذلك في موضعين من كتابه في سورة الرعد في قوله : (وَإِنْ تَعْجَبْ فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ أَإِذا كُنَّا تُراباً أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ أُولئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ) [الرعد : ٥] ، والثاني في سورة الكهف في قوله تعالى : (وَدَخَلَ جَنَّتَهُ ، وَهُوَ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ قالَ ما أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هذِهِ أَبَداً ، وَما أَظُنُّ السَّاعَةَ قائِمَةً وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلى رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْراً مِنْها مُنْقَلَباً ، قالَ لَهُ صاحِبُهُ وَهُوَ يُحاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلاً ، لكِنَّا هُوَ اللهُ رَبِّي وَلا أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَداً) [الكهف : ٣٥ ـ ٣٦ ـ ٣٧ ـ ٣٨] ، فالرسول صلوات الله وسلامه عليه إنما جاء بتعريف الرب تعالى بأسمائه وصفاته وأفعاله والتعريف بحقوقه على عباده ، فمن أنكر رسالاته فقد أنكر الرب الذي دعا إليه وحقوقه التي أمر بها ، بل نقول لا يمكن الاعتراف بالحقائق على ما هي عليه مع تكذيب رسوله ، وهذا ظاهر جدا لمن تأمل مقالات أهل الأرض وأديانهم.
فإن «الفلاسفة» لم يمكنهم الاعتراف بالملائكة والجن والمبدأ والمعاد وتفاصيل صفات الرب تعالى وأفعاله مع إنكار النبوات ؛ بل والحقائق المشاهدة التي لا يمكن إنكارها لم يثبتوها على ما هي عليه ولا أثبتوا حقيقة واحدة على ما هي عليه البتة ، وهذا ثمرة إنكارهم النبوات فسلبهم الله إدراك الحقائق التي زعموا أن عقولهم كافية في إدراكها ، فلم يدركوا منها شيئا على ما هو عليه ، حتى ولا الماء ولا الهواء ولا الشمس ولا غيرها. فمن تأمل مذاهبهم فيها علم أنهم لم يدركوها وان عرفوا من ذلك بعض ما خفي على غيرهم. وأما «المجوس» فأضل وأضل. وأما «عباد الأصنام». فلا عرفوا الخالق ولا