عرفوا حقيقة المخلوقات ، ولا ميزوا بين الشياطين والملائكة وبين الأرواح الطيبة والخبيثة ، وبين أحسن الحسن وأقبح القبيح ، ولا عرفوا كمال النفس وما تسعد به ونقصها وما تشقى به.
وأما «النصارى» فقد عرفت ما الذي أدركوه من معبودهم وما وصفوه به وما الذي قالوه في نبيهم ، وكيف لم يدركوا حقيقته البتة ، ووصفوا الله بما هو من اعظم العيوب والنقائص ، ووصفوا عبده ورسوله بما ليس له بوجه من الوجوه ، وما عرفوا الله ولا رسوله ، والمعاد الذي اقروا به لم يدركوا حقيقته ولم يؤمنوا بما جاءت به الرسل من حقيقته ، إذ لا أكل عندهم في الجنة ولا شرب ولا زوجة هناك ولا حور عين يلذ بهن الرجال كذاتهم في الدنيا ، ولا عرفوا حقيقة أنفسهم وما تسعد به وتشقى ، ومن لم يعرف ذلك فهو أجدر أن لا يعرف حقيقة شيء كما ينبغي البتة ، فلا لأنفسهم عرفوا ولا لفاطرها وبارئها ، ولا لمن جعله الله سببا في فلاحها وسعادتها ، ولا للموجودات وأنها جميعها فقيرة مربوبة مصنوعة ناطقها وصامتها آدميها وجنيها وملكها ، فكل من في السموات عبده وملكه ، وهو مخلوق مصنوع مربوب فقير من كل وجه ، ومن لم يعرف هذا لم يعرف شيئا.
[غباوة اليهود ونقضهم للعهود وتحريفهم وحسدهم .. هو الغاية]
[اليهود قتلة الأنبياء ، وأكلة الربا والمنفردون بغاية الخبث والبهت ...]
وأما «اليهود» فقد حكى الله لك عن جهل أسلافهم وغباوتهم وضلالهم ما يدل على ما وراءه من ظلمات الجهل التي بعضها فوق بعض ، ويكفي في ذلك عبادتهم العجل الذي صنعته أيديهم من ذهب ، ومن عبادتهم أن جعلوه على صورة أبلد الحيوان وأقله فطانة الذي يضرب المثل به في قلة الفهم ، فانظر إلى هذه الجهالة والغباوة المتجاورة للحد كيف عبدوا مع الله إلها آخر وقد شاهدوا من أدلة التوحيد وعظمة الرب وجلاله ما لم يشاهده سواهم؟! وإذا قد عزموا على اتخاذ إله دون الله فاتخذوه ونبيهم حي بين اظهرهم لم ينتظروا موته! وإذ قد فعلوا فلم يتخذوه من الملائكة المقربين ولا من الأحياء الناطقين بل اتخذوه من الجمادات! وإذ قد فعلوا فلم يتخذوه من الجواهر العلوية كالشمس والقمر والنجوم بل من الجواهر الأرضية! وإذ قد فعلوا فلم يتخذوه من الجواهر التي