(الخامس) إن جوابك في نفس سؤالك فإنك اعترفت أن عبد الله بن سلام وذويه كانوا قليلين جدا واضدادهم لا يحصون كثرة ، ومعلوم أن الغرض الداعي لموافقة الجمهور الذين لا يحصون كثرة وهم أولو القوة والشوكة أقوى من الغرض الداعي لموافقة الأقلين المستضعفين والله الموفق.
[المسلمون فوق كل الأمم في الأعمال والمعارف النافعة]
(فصل) قال السائل : «تدخل علينا الريبة من جهة عبد الله بن سلام وأصحابه ، وهو أنكم قد بنيتم أكثر اساس شرائعكم في الحلال والحرام والأمر والنهي على أحاديث عوام من الصحابة الذين ليس لهم بحث في علم ولا دراسة ولا كتابة قبل مبعث نبيكم ، فابن سلام هو وأصحابه أولى أن يؤخذ بأحاديثهم ورواياتهم ، لأنهم كانوا أهل علم وبحث ودراسة وكتابة قبل مبعث نبيكم وبعده ، ولا نراكم تروون عنهم من الحلال والحرام والأمر والنهي إلا شيئا يسيرا جدا ، وهو ضعيف عندكم» والجواب من وجوه :
(أحدها) إن هذا بهت من قائله ، فإنا لم نبن أساس شريعتنا في الحلال والحرام والأمر والنهي إلا على كتاب ربنا المجيد الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد ، الذي أنزله على رسوله محمد صلىاللهعليهوسلم ، الذي تحدى به الأمم كلها على اختلاف علومها وأجناسها وطبائعها وهو في غاية الضعف وأعداؤه طبقوا الأرض أن يعارضوه بمثله فيكونوا أولى بالحق منه ويظهر كذبه وصدقهم فعجزوا عن ذلك ، فتحداهم بأن يأتوا بعشر سور مثله فعجزوا ، فتحداهم بأن يأتوا بسورة من مثله فعجزوا ، هذا وأعداؤه الأدنون إليه أفصح الخلق وهم أهل البلاغة والفصاحة واللسن والنظم والنثر والخطب وأنواع الكلام ، فما منهم من فاه في معارضته ببنت شفة ، وكانوا احرص الناس على تكذيبه وأشدهم أذى له بالقول والفعل والتنفير عنه لكل طريق ، فما نقل عن أحد منهم سورة واحدة عارضة بها ، إلا مسيلمة الكذاب بمثل قوله : «يا ضفدع بنت ضفدعين ، نقي كم تنقين ، لا الشارب تمنعين ، ولا الماء تكدرين ، ومثل والطاحنات طحنا ، والعاجنات عجنا ، فالخابزات خبزا ، أهالة وسمنا» وأمثال هذه