الألفاظ التي هي بألفاظ أهل الجنون والمعتوهين أشبه منها بألفاظ العقلاء فالمسلمون إنما بنوا أساس دينهم ومعالم حلالهم وحرامهم على الكتاب الذي لم ينزل من السماء كتاب أعظم منه ، فيه بيان كل شيء وتفصيل كل شيء وهدى ورحمة وشفاء لما في الصدور ، به هدى الله رسوله وأمته فهو أساس دينهم.
(الثاني) إن قولكم «إن المسلمين بنوا أساس دينهم على رواية عوام من الصحابة» من أعظم البهت وأفحش الكذب ، فإنهم وإن كانوا أميين فمذ بعث الله فيهم رسوله زكاهم وعلمهم الكتاب والحكمة وفضلهم في العلم والعمل والهدى والمعارف والإلهية والعلوم النافعة المكملة للنفوس على جميع الأمم ، فلم تبق أمة من الأمم تدانيهم في فضلهم وعلومهم وأعمالهم ومعارفهم ، فلو قيس ما عند جميع الأمم من معرفة وعلم وهدى وبصيرة إلى ما عندهم لم يظهر له نسبة إليه بوجه ما ، وإن كان غيرهم من الأمم أعلم بالحساب والهندسة ، والكم المتصل والكم المنفصل ، والنبض والقارورة والبول والقسطة ، ووزن الأنهار ونقوش الحيطان ، ووضع الآلات العجيبة ، وصناعة الكيمياء ، وعلم الفلاحة ، وعلم الهيئة ، وتسيير الكواكب ، وعلم الموسيقا والألحان ، وغير ذلك من العلوم التي هي بين علم لا ينفع وبين ظنون كاذبة ، وبين علم نفعه في العاجلة وليس من زاد المعاد. فإن أردتم أن الصحابة كانوا عواما في هذه العلوم فنعم إذا «وتلك شكاة ظاهر عنك عارها» وإن أردتم أنهم كانوا عواما في العلم بالله وأسمائه وصفاته وأفعاله وأحكامه ودينه وشرعه وتفاصيله واليوم الآخر وتفاصيله وتفاصيل ما بعد الموت وعلم سعادة النفوس وشقاوتها وعلم صلاح القلوب وأمراضها فمن بهت نبيهم بما بهته به وجحد نبوته ورسالته التي هي للبصائر أظهر من الشمس للأبصار لم ينكر له أن يبهت أصحابه ويجحد فضلهم ومعرفتهم ، وينكر ما خصهم الله به وميزهم على من قبلهم ومن هو كائن من بعدهم إلى يوم القيامة؟! وكيف يكونون عواما في ذلك وهم أذكى الناس فطرة وأزكاهم نفوسا ، وهم يتلقونه غضا طريا ومحضا لم يشب عن نبيهم ، وهم أحرص الناس عليه وأشوقهم إليه ، وخبر السماء يأتيهم على لسانه في ساعات الليل والنهار والحضر والسفر ، وكتابهم قد اشتمل على علوم الأولين والآخرين ،