فإنه لا يمكن أحدا أن يعلم ان كل نسخة في العالم على لفظ واحد بسائر الألسنة ، ومن الذي احاط بذلك علما وعقلا؟! أهل الكتاب يعلمون أن أحدا لا يمكنه ذلك. وأما من قال من المسلمين. «أن التغيير وقع في أول الأمر فانهم قالوا أنه وقع أولا من عازر الوراق ، في «التوراة» في بعض الأمور إما عمدا وإما خطأ ، فإنه لم يقم دليل على عصمته ولا أن تلك الفصول التي جمعها من التوراة بعد احتراقها هي عين التوراة التي انزلت على موسى ، وقد ذكرنا أن فيها ما لا يجوز نسبته إلى الله وأنه أنزله على رسوله وكليمه ، وتركنا كثيرا لم نذكره».
[المناقضات في الإنجيل]
وأما «الإنجيل» فهي أربعة أناجيل اخذت عن أربعة نفر ، اثنان منهم لم يريا المسيح أصلا ، واثنان رأياه واجتمعا به وهما متى ويوحنا ، وكل منهم يزيد وينقص ويخالف انجيله إنجيل أصحابه في أشياء ، وفيها ذكر القول ونقيضه كما فيه أنه قال : «ان كنت أشهد لنفسي فشهادتي غير مقبولة ، ولكن غيري يشهد لي» وقال في موضع آخر «ان كنت اشهد لنفسي فشهادتي حق لاني أعلم من أين جئت وإلى أين أذهب» وفيه أنه لما استشعر بوثوب اليهود عليه قال : «قد جزعت نفسي الآن فما ذا أقول؟ يا أبتاه سلمني من هذا الوقت ، وأنه لما رفع على خشبة الصلب صاح صياحا عظيما وقال : يا إلهي! لم اسلمتني؟! فكيف يجتمع هذا مع قولكم : إنه هو الذي اختار إسلام نفسه إلى اليهود ليصلبوه ويقتلوه رحمة منه بعباده حتى فداهم بنفسه من الخطايا ، وأخرج بذلك آدم ونوحا وإبراهيم وموسى وجميع الأنبياء من جهنم بالحيلة التي دبرها على إبليس؟ وكيف يجزع إله العالم من ذلك وكيف يسأل السلامة منه وهو الذي اختاره ورضيه؟! وكيف يشتد صياحه ويقول : «يا إلهي لم اسلمتني» وهو الذي أسلم نفسه؟! وكيف لم يخلصه أبوه مع قدرته على تخليصه وإنزال صاعقة على الصليب وأهله أم كان ربا عاجزا مقهورا مع اليهود ، وفيه أيضا : «أن اليهود سألته أن يظهر لهم برهانا أنه المسيح ، فقال : تهدمون هذا البيت ـ يعني بيت المقدس ـ وأبنيه لكم في ثلاثة أيام ، فقالوا له بيت مبني في خمس وأربعين سنة تبنيه أنت في ثلاثة أيام» ثم ذكرتم في الإنجيل أيضا : «أنه لما ظفرت به اليهود وحمل إلى بلاط عامل قيصر