تليت ، وعلى ذلك حييت ، وعليه مت ، وعليه تبعث إن شاء الله ، ثم يضرم عليه قبره نارا ، ويضيق عليه كالزج في الرمح الى قيام الساعة. واذا بعثر ما في القبور وحصّل ما في الصدور ، وقام الناس لرب العالمين ونادى المنادى (وَامْتازُوا الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ) [يس : ٣٦] ثم رفع لكل عابد معبوده الذي كان يعبده ويهواه ، وقال الرب تعالى وقد أنصت له الخلائق : «أليس عدلا مني أن أولي كل انسان منكم ما كان في الدنيا يتولاه»؟ فهناك يهلم المشرك حقيقة ما كان عليه ، ويتبين له سواء منقلبه وما صار إليه ، ويعلم الكفار انهم لم يكونوا أولياءه ان أولياؤه الا المتقون (وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ ، وَسَتُرَدُّونَ إِلى عالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) [التوبة : ١٠٥].
فصل
[الأمم قبل البعثة]
ولما بعث الله محمدا صلىاللهعليهوسلم كان أهل الأرض صنفين : اهل الكتاب وزنادقة لا كتاب لهم وكان أهل الكتاب أفضل الصنفين ، وهم نوعان : مغضوب عليهم وضالون.
فالامة الغضبية هم «اليهود» أهل الكذب والبهت والغدر والمكر والحيل ، قتلة الأنبياء وأكلة السحت ـ وهو الربا والرشا ـ أخبث الامم طوية ، وأرداهم سجية ، وابعدهم من الرحمة ، واقربهم من النقمة عادتهم البغضاء ، وديدنهم العداوة والشحناء ، بيت السحر والكذب والحيل ، لا يرون لمن خالفهم في كفرهم وتكذيبهم الأنبياء حرمة ، ولا يرقبون في مؤمن إلّا ولا ذمة ، ولا لمن وافقهم عندهم حق ولا شفقة ، ولا لمن شاركهم عندهم عدل ولا نصفة ، ولا لمن خالطهم طمأنينة ولا أمنة ، ولا لمن استعملهم عندهم نصيحة ، بل أخبثهم اعقلهم ، وأحذقهم أغشهم ، وسليم الناصية ـ وحاشاه أن يوجد بينهم ـ ليس بيهودي على الحقيقة أضيق الخلق صدورا ، وأظلمهم بيوتا ، وأنتنهم أفنية ، وأوحشهم سجية ، تحيتهم لعنة ولقاؤهم طيرة ، شعارهم الغضب ودثارهم المقت.