أهل الكتاب فينكرون ذلك وتسليطا لأهل الكتاب على الإنكار وتسليطا لاتباعه على الرجوع عنه والتكذيب له بعد تصديقه ، وذلك ينقض الغرض المقصود باخباره من كل وجه ، وهو بمنزلة رجل يخبر بما يشهد بكذبه ويجعل إخباره دليلا على صدقه ، وهذا لا يصدر من عاقل ولا مجنون. فهذه الوجوه يعلم بها صدق ما أخبر به وان لم يعلم وجوده من غير جهة أخباره ، فكيف وقد علم وجود ما أخبر به؟! «الثامن» انه لو قدر انهم لم يعلموا بشارة الأنبياء به واختبارهم بنعته وصفته لم يلزم أن لا يكونوا ذكروه وأخبروا به وبشروا بنبوته؟ اذ ليس كل ما قاله الأنبياء المتقدمون وصل الى المتأخرين وأحاطوا به علما وهذا مما يعلم بالاضطرار ، فكم من قول قد قاله موسى وعيسى ولا علم لليهود والنصارى به ، فاذا أخبر به من قام الدليل القطعي على صدقه لم يكن جهلهم به موجبا لرده وتكذيبه «التاسع» انه يمكن ان يكون في نسخ غير هذا النسخ التي بايديهم فازيل من بعضها ونسخت هذه مما أزيل منه.
[تخالف نسخ التوراة والإنجيل وتناقضها]
[الأناجيل تواريخ]
وقولهم «ان نسخ التوراة متفقة في شرق الأرض وغربها» كذب ظاهر ، فهذه التوراة التي بايدي النصارى تخالف التوراة التي بايدي اليهود ، والتي بايدي السامرة تخالف هذه وهذه ، وهذه نسخ الإنجيل. يخالف بعضها بعضا ويناقضه ، فدعواهم : أن نسخ التوراة والإنجيل متفقة شرقا وغربا من البهت والكذب الذي يروجونه على أشباه الانعام ، حتى ان هذه التوراة التي بايدي اليهود فيها من الزيادة والتحريف والنقصان ما لا يخفى على الراسخين في العلم ، وهم يعلمون قطعا ان ذلك ليس في التوراة التي أنزلها الله على موسى ولا في الإنجيل الذي أنزله على المسيح ، وكيف يكون في الإنجيل الذي أنزل على المسيح «قصة صلبه» وما جرى له ، وانه أصابه كذا وكذا ، وصلب يوم كذا وكذا ، وانه قام من القبر بعد ثلاث ، وغير ذلك مما هو من كلام شيوخ النصارى ، وغايته أن يكون من كلام الحواريين خلطوه بالانجيل وسموا الجميع انجيلا ، وكذلك كانت «الأناجيل عندهم أربعة» يخالف بعضها بعضا. ومن بهتهم وكذبهم قولهم : ان