[لا غرابة في جحد النصارى رسالة محمد وقد سبوا الله ..]
وقد ذكرنا اتفاق امة الضلال وعباد الصليب على مسبة رب العالمين أقبح مسبة ، على ما يعلم بطلانه بصريح العقل ، فان خفى عليهم إن هذا مسبة لله وان العقل يحكم ببطلانه وبفساده من أول وهلة لم يكثر على تلك العقول السخيفة أن تسب بشرا أرسله الله ، وتجحد نبوته ، وتكابر ما دل عليه صريح العقل من صدقه وصحة رسالته ، فلو قالوا فيه ما قالوا لم يبلغ بعض قولهم في رب الأرض والسموات الذي صاروا به ضحكة بين جميع اصناف بني آدم فامة اطبقت على ان الاله الحق سبحانه عما يقولون صلب وصفع وسمر ووضع الشوك على رأسه ودفن في التراب ، ثم قام في اليوم الثالث وصعد وجلس على عرشه يدبر أمر السموات والأرض ، لا يكثر عليها أن تطبق على جحد نبوة من جاء بسبها ولعنها ومحاربتها وإبداء معايبها والنداء على كفرها بالله ورسوله ، والشهادة على براءة المسيح منها ومعاداته لها ، ثم قاتلها وأذلها وأخرجها من ديارها وضرب عليها الجزية ، وأخبر أنها من أهل الجحيم خالدة مخلدة لا يغفر الله لها وأنها شر من الحمير ، بل هي شر الدواب عند الله.
[ألوان من سخافة النصارى في الصليب]
وكيف ينكر لامة أطبقت على صلب معبودها وإلهها ثم عمدت إلى الصليب فعبدته وعظمته ، وكان ينبغي لها أن تحرق كل صليب تقدر على احراقه ، وأن تهينه غاية الاهانة إذ صلب عليه إلها الذي يقولون تارة : إنه الله ، وتارة يقولون إنه ابنه ، وتارة يقولون ثالث ثلاثة ، فجحدت حق خالقها وكفرت به أعظم كفر وسبته أقبح مسبة أن تجحد حق عبده ورسوله وتكفر به وكيف يكثر على أمة قالت في رب الأرض والسموات إنه ينزل من السماء ليكلم الخلق بذاته لئلا يكون لهم حجة عليه ، فاراد أن يقطع حجتهم بتكليمه لهم بذاته لترتفع المعاذير عمن ضيع عهده بعد ما كلمه بذاته ، فهبط بذاته من السماء ، والتحم في بطن مريم ، فاخذ منها حجابا ، وهو مخلوق من طريق الجسم ، وخالق من طريق النفس ، وهو الذي خلق جسمه وخلق أمه ، وأمه كانت من قبله بالناسوت ، وهو كان من قبلها باللاهوت ، وهو الإله التام ، والانسان التام ومن تمام رحمته