تبارك وتعالى على عباده أنه رضي بإراقة دمه عنهم على خشبة الصليب ، فمكن اعداءه اليهود من نفسه ليتم سخطه عليهم ، فاخذوه وصلبوه وصفعوه وبصقوا في وجهه ، وتوجوه بتاج من الشوك على رأسه ، وغار دمه في إصبعه لأنه لو وقع منه شيء إلى الأرض ليبس كل ما كان على وجهها ، فثبت في موضع صلبه النور ، ولما لم يكن في الحكمة الازلية ان ينتقم الله من عبده العاصي الذي ظلمه أو استهان بقدره لاعتلاء منزلة الرب وسقوط منزلة العبد أراد سبحانه أن ينتصف من الانسان الذي هو إله مثله ، فانتصف من خطيئة آدم بصلب عيسى المسيح الذي هو إله مساو له في الالهية ، فصلب ابن الله الذي هو الله في الساعة التاسعة من يوم الجمعة هذه ألفاظهم في كتبهم!! فامة أطبقت على هذا في معبودها؟!! كيف يكثر عليها ان تقول في عبده ورسوله إنه ساحر وكاذب وملك مسلط ونحو هذا؟!!
ولهذا قال بعض ملوك الهند : أما النصارى فإن كان أعداؤهم من اهل الملل يجاهدونهم بالشرع فأنا ارى جهادهم بالعقل ، وان كنا لا نرى قتال احد لكني استثني هؤلاء القوم من جميع العالم؟ لأنهم قصدوا مضادة العقل وناصبوه العداوة وشذوا عن جميع مصالح العالم الشرعية والعقلية الواضحة ، واعتقدوا كل مستحيل ممكنا ، وبنوا من ذلك شرعا لا يؤدي إلى صلاح نوع من انواع العالم ، ولكنه يصير العاقل إذا شرع به أخرق ، والرشيد سفيها ، والحسن قبيحا ، والقبيح حسنا ، لأن من كان في أصل عقيدته التي جرى نشؤه عليها الإساءة إلى الخلاق والنيل منه ، وسبه اقبح مسبة ، ووصفه بما يغير صفاته الحسنى ، فاخلق به ان يستسهل الإساءة إلى مخلوق ، وإن يصفه بما يغير صفاته الجميلة فلو لم تجب مجاهدة هؤلاء القوم إلا لعموم أضرارهم التي لا تحصى وجوهه كما يجب قتل الحيوان المؤذي بطبعه لكانوا أهلا لذلك.
والمقصود أن الذين اختاروا هذه المقالة في رب العالمين على تعظيمه وتنزيهه واجلاله ووصفه بما يليق به ، هم الذين اختاروا الكفر بعبده ورسوله وجحد نبوته ، والذين اختاروا عبادة صور خطوها بايديهم ، في الحيطان مزوقة بالاحمر والاصفر والأزرق لو دنت منها الكلاب لبالت عليها فاعطوها غاية