أيديهم باذى ، فرفعه إليه وأسكنه سماءه ، وسيعيده إلى الأرض ينتقم به من مسيح الضلال واتباعه ، ثم يكسر به الصليب ، ويقتل به الخنزير ، ويعلى به الإسلام ، وينصر به ملة أخيه وأولى الناس به محمد عليهما افضل الصلاة والسلام. فإذا وضع هذا القول في المسيح في كفة وقول عباد الصليب المثلثة في كفة تبين لكل من له أدنى مسكة من عقل ما بينهما من التفاوت ، وأن تفاوتهما كتفاوت ما بينه وبين قول المغضوب عليهم فيه ، وبالله التوفيق.
فلو لا محمد صلىاللهعليهوسلم لما عرفنا أن المسيح ابن مريم الذي هو رسول الله وعبده وكلمته وروحه موجود أصلا ، فإن هذا المسيح الذي أثبته اليهود من شرار خلق الله ليس بمسيح الهدى ، والمسيح الذي أثبته النصارى من أبطل الباطل لا يمكن وجوده في عقل ولا فطرة ، ويستحيل أن يدخل في الوجود أعظم استحالة ، ولو صح وجوده لبطلت أدلة العقول ولم يبق لأحد ثقة بمعقول أصلا ، فإن استحالة وجوده ، فوق استحالة جميع المحالات ، ولو صح ما يقول لبطل العالم واضمحلت السموات والأرض وعدمت الملائكة والعرش والكرسي ولم يكن بعث ولا نشور ولا جنة ولا نار. ولا يستعجب من اطباق أمة الضلال الذين شهد الله أنهم أضل من الأنعام على ذلك بكل باطل في الوجود ينسب إلى أمة من الأمم فانها مطبقة عليه ، وقد تقدم ذكر إطباق الأمم العظيمة التي لا يحصيها إلا الله على الكفر والضلال بعد معاينة الآيات البينات ، فلعباد الصليب أسوة بإخوانهم من أهل الشرك والضلال!
[النصارى تلقوا أصول دينهم عن أصحاب المجامع]
[١٠ مجامع لعلماء النصارى يكفر فيها بعضهم ببعض ويلعن بعضهم بعضا] [قصة المسيح قبل بعثه وبعده إلى أن رفع وما لاقى اتباعه من اليهود والقياصرة]
(فصل) في ذكر استنادهم في دينهم إلى أصحاب «المجامع» الذين كفر بعضهم بعضا وتلقيهم أصول دينهم عنهم ، ونحن نذكر الآن الأمر كيف ابتدأ وتوسط ، وانتهى ، حتى كأنك تراه عيانا.
كان الله سبحانه قد بشر بالمسيح على ألسنة أنبيائه ، من لدن موسى إلى زمن داود ومن بعده من الأنبياء ، واكثر الأنبياء تبشيرا به داود ، وكانت اليهود تنتظره