[مناظرة المؤلف لأحد كبار اليهود]
وقد جرت لي «مناظرة» بمصر مع أكبر من يشير إليه اليهود بالعلم والرئاسة ، فقلت له في أثناء الكلام : أنتم بتكذيبكم محمدا صلىاللهعليهوسلم قد شتمتم الله اعظم شتيمة. فعجب من ذلك ، وقال : مثلك يقول هذا الكلام! فقلت له : اسمع الآن تقريره ، إذا قلتم : إن محمدا ملك ظالم قهر الناس بسيفه وليس برسول من عند الله ، وقد أقام ثلاثا وعشرين سنة يدعي أنه رسول الله أرسله إلى الخلق كافة ، ويقول : أمرني الله بكذا ونهاني عن كذا وأوحى إليّ كذا ، ولم يكن من ذلك شيء ، ويقول : أنه أباح لي سبي ذراري من كذبني وخالفني ونساءهم وغنيمة أموالهم وقتل رجالهم ، ولم يكن من ذلك شيء ، وهو يدأب في تغيير دين الأنبياء ومعاداة أممهم ونسخ شرائعهم ، فلا يخلو إما أن تقولوا أن الله سبحانه كان يطلع على ذلك ويشاهده ويعلمه ، أو تقولوا أنه خفي عنه ولم يعلم به ، فإن قلتم لم يعلم به نسبتموه إلى أقبح الجهل وكان من علم ذلك أعلم منه ، وإن قلتم بل كان ذلك كله بعلمه ومشاهدته واطلاعه عليه فلا يخلو إما أن يكون قادرا على تغييره والأخذ على يديه ومنعه من ذلك ، أولا ، فإن لم يكن قادرا فقد نسبتموه إلى أقبح العجز المنافي للربوبية ، وإن كان قادرا وهو مع ذلك يعزه وينصره ويؤيده ويعليه ويعلي كلمته ، ويجيب دعاءه ويمكنه من اعدائه ويظهر على يديه من أنواع المعجزات والكرامات ما يزيد على الألف ولا يقصده أحد بسوء إلا أظفره به ولا يدعوه بدعوة إلا استجابها له فهذا من أعظم الظلم والسفه الذي لا يليق نسبته إلى آحاد العقلاء فضلا عن رب الأرض والسماء ؛ فكيف وهو يشهد له باقراره على دعوته وبتأييده وبكلامه وهذه عندكم شهادة زور وكذب فلما سمع ذلك قال معاذ الله أن يفعل الله هذا بكاذب مفتر بل هو نبي صادق من اتبعه أفلح وسعد قلت : فما لك لا تدخل في دينه؟ قال : إنما بعث إلى الاميين الذين لا كتاب لهم ، وأما نحن فعندنا كتاب نتبعه. قلت له : غلبت كل الغلب ، فإنه قد علم الخاص والعام أنه أخبر أنه رسول الله إلى جميع الخلق ، وأن من لم يتبعه فهو كافر من أهل الجحيم ، وقاتل اليهود والنصارى وهم أهل كتاب ، وإذا صحت رسالته وجب تصديقه في كل ما أخبر به ، فأمسك ولم يحر جوابا.