بخلافه أصلا ، فترك المثلثة عباد الصليب هذا كله ، وتمسكوا بالمتشابهة من المعاني والمجمل من الألفاظ ، وأقوال من ضلوا من قبل ، وأضلوا كثيرا وضلوا عن سواء السبيل. وأصول المثلثة ومقالتهم في رب العالمين تخالف هذا كله اشد المخالفة وتباينه أعظم المباينة.
[لو لم يظهر محمد بن عبد الله لبطلت نبوة سائر الأنبياء]
[بنو إسرائيل قبل موسى وبعده]
(فصل) في أنه لو لم يظهر محمد بن عبد الله صلىاللهعليهوسلم ، لبطلت نبوة سائر الأنبياء ، فظهور نبوته تصديق لنبواتهم وشهادة لها بالصدق ، فإرساله من آيات الأنبياء قبله ، وقد اشار سبحانه إلى هذا المعنى بعينه في قوله : (جاءَ بِالْحَقِّ وَصَدَّقَ الْمُرْسَلِينَ) [الصافات : ٣٧] ، فإن المرسلين بشروا به وأخبروا بمجيئه ، فمجيؤه هو نفس صدق خبرهم ، فكأن مجيئه تصديقا لهم إذ هو تأويل ما اخبروا به ، ولا تنافي بين هذا وبين القول الآخر : إن تصديقه المرسلين شهادته بصدقهم وإيمانه بهم فإنه صدقهم بقوله ومجيئه فشهد بصدقهم بنفس مجيئه ، وشهد بصدقهم بقوله ، ومثل هذا قول المسيح : (مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْراةِ ، وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ) [الصف : ٦] ، فإن التوراة لما بشرت به وبنبوته كان نفس ظهوره تصديقا لها ، ثم بشر برسول يأتي من بعده فكان ظهور الرسول المبشر به تصديقا له ، كما كان ظهوره تصديقا للتوراة فعادة الله في رسله أن السابق يبشر باللاحق ، واللاحق يصدق السابق ، فلو لم يظهر محمد بن عبد الله ولم يبعث لبطلت نبوة الأنبياء قبله ، والله سبحانه لا يخلف وعده ولا يكذب خبره ، وقد كان بشر إبراهيم وهاجر بشارات بينات ولم نرها تمت ولا ظهرت إلا بظهور رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فقد بشرت هاجر من ذلك بما لم تبشر به امرأة من العالمين غير مريم ابنة عمران بالمسيح على أن مريم بشرت به مرة واحدة ، وبشرت هاجر باسماعيل مرتين ، وبشر به إبراهيم مرارا ، ثم ذكر الله سبحانه هاجر بعد وفاتها كالمخاطب لها على ألسنة الأنبياء ، ففي التوراة : «أن الله تعالى قال لإبراهيم قد اجبت دعاءك في إسماعيل ، وباركت عليه ، وكبرته ، وعظمته» هكذا في ترجمة بعض المترجمين. وأما في الترجمة التي ترجمها اثنان