وسبعون حبرا من أحبار اليهود فإنه يقول : «وسيلد اثني عشر أمة من الأمم» وفيها «لما هربت هاجر من سارة تراءى لها ملك الله ، وقال يا هاجر أمة سارة من اين اقبلت وإلى أين تذهبين؟! قالت هربت من سيدتي ، فقال لها الملك ارجعي إلى سيدتك واخضعي لها ، فإني ساكثر ذريتك وزرعك حتى لا يحصون كثرة ، وها أنت تحبلين وتلدين ابنا تسميه اسماعيل ، لأنه الله قد سمع بذلك خشوعك ، وهو يكون عين الناس ، ويكو يده فوق الجميع ، ويد الجميع مبسوطة إليه بالخضوع ، ويكون مسكنه على تخوم جميع اخوته» وفي موضع آخر قصة إسكانها وابنها اسماعيل في برية فاران ، وفيها «فقال لها الملك يا هاجر ليفرح روعك فقد سمع الله تعالى صوت الصبي ، قومي فاحمليه وتمسكي به فإن الله جاعله لأمة عظيمة ، وإن الله فتح عليها فإذا ببئر ماء فذهبت وملأت المزادة منه وسقت الصبي منه ، وكان الله معها ومع الصبي حتى تربى ، وكان مسكنه في برية فاران» فهذه أربع بشارات خالصة لأم اسماعيل : نزلت اثنتان منها على إبراهيم ، واثنتان على هاجر. وفي التوراة أيضا بشارات أخر باسماعيل وولده وأنهم أمة عظيمة جدا ، وأن نجوم السماء تحصى ولا يحصون ، وهذه البشارة إنما تمت بظهور محمد بن عبد الله وأمته.
فإن «بني إسحاق» كانوا لم يزالوا مطرودين مشردين خولا للفراعنة والقبط حتى أنقذهم الله بنبيه وكليمه موسى بن عمران ، وأورثتهم أرض الشام فكانت كرسي مملكتهم ، ثم سلبهم ذلك وقطعهم في الأرض أمما مسلوبا عزهم وملكهم : قد أخذتهم سيوف السودان ، وعلتهم أعلاج الحمران حتى إذا ظهر النبي صلىاللهعليهوسلم تمت تلك النبوات وظهرت تلك البشارات بعد دهر طويل وعلت بنو إسماعيل على من حولهم فهشموهم هشما ، وطحنوهم طحنا ، وانتشروا في آفاق الدنيا ، ومدت الأمم أيديهم إليهم بالذل والخضوع ، وعلوهم علو الثريا فيما بين الهند والحبشة والسوس الأقصى وبلاد الترك والصقالبة والخزر ، وملكوا ما بين الخافقين وحيث ملتقى أمواج البحرين ، وظهر ذكر إبراهيم على ألسنة الأمم ، فليس صبي من بعد ظهور النبي صلىاللهعليهوسلم ، ولا امرأة ولا حر ولا عبد ولا ذكر ولا أنثى إلا وهو يعرف إبراهيم وآل إبراهيم.