ما لم يكن قبل ذلك.
«وجماع الأمر» أن النبوات المتقدمة والكتب الإلهية لم تنطق بحرف واحد يقتضي أن يكون ابن البشر إلها تاما : إله حق من إله حق ، وأنه غير مصنوع ولا مربوب ، بل لم يخصه إلا بما خص به أخوه وأولى الناس به محمد بن عبد الله في قوله : «إنه عبد الله ورسوله وكلمته القاها إلى مريم وروح منه» وكتب الأنبياء المتقدمة وسائر النبوات موافقة لما أخبر به محمد صلىاللهعليهوسلم ، وذلك كله يصدق بعضه بعضا ، وجميع ما تستدل به المثلثة عباد الصليب على إلهية المسيح من ألفاظ وكلمات في الكتب فانها مشتركة بين المسيح وغيره كتسميته أبا وكلمة وروح حق وإلها ، وكذلك ما أطلق من حلول روح القدس فيه وظهور الرب فيه أو في مكانه.
[وباء حلولهم أصاب بعض مبتدعة الصوفية
وعباد الجهمية]
وقد وقع في نظير شركهم وكفرهم طوائف من المنتسبين إلى الإسلام ، واشتبه عليهم ما يحل في قلوب العارفين من الإيمان به ومعرفته ونوره وهداه فظنوا أن ذلك نفس ذات الرب ، وقد قال تعالى : (الْمَثَلُ الْأَعْلى) [النمل : ٦٠] ، وقال : (وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلى فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) [الروم : ٢٧] ، وهو ما في قلوب ملائكته وأنبيائه وعباده المؤمنين من الإيمان به ومعرفته ومحبته وإجلاله وتعظيمه ، وهو نظير قوله : (فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ ما آمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا) [البقرة : ١٣٧] ، وقوله : (وَهُوَ اللهُ فِي السَّماواتِ وَفِي الْأَرْضِ يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ وَيَعْلَمُ ما تَكْسِبُونَ) [الأنعام : ٣] ، وقوله : (وَهُوَ الَّذِي فِي السَّماءِ إِلهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلهٌ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ) [الزخرف : ٨٤] ، فأولياء الله يعرفونه ويحبونه ويجلونه ، ويقال : هو في قلوبهم. والمراد محبته ومعرفته والمثل الأعلى في قلوبهم لا نفس ذاته وهذا أمر يعتاده الناس في مخاطباتهم ومحاوراتهم يقول الإنسان لغيره : أنت في قلبي ولا زلت في عيني كما قال القائل :
ومن عجب أني أحن إليهم |
|
وأسأل عنهم من لقيت وهم معي |