[حيل حخاميمهم الدنيئة]
وما من جماعة منهم في بلدة إلا إذا قدم عليهم رجل من أهل دينهم من بلاد بعيدة يظهر لهم الخشونة في دينه والمبالغة في الاحتياط ، فإن كان من فقهائهم شرع في إنكار أشياء عليهم يوهمهم قلة دينهم وعلمهم ، وكلما شدد عليهم قالوا هذا هو العالم ، فأعلمهم أعظمهم تشديدا عليهم ، فتراه أول ما ينزل عليهم لا يأكل من أطعمتهم وذبائحهم ، ويتأمل سكين الذباح ويشرع في الإنكار عليه ببعض أمره ، ويقول لا آكل إلا من ذبيحة يدي ، فتراهم معه في عذاب ، ويقولون هذا عالم غريب قدم علينا فلا يزال ينكر عليهم الحلال ويشدد عليهم الآصار والأغلال ويفتح لهم أبواب المكر والاحتيال ، وكلما فعل هذا قالوا : هذا هو العالم الرباني والفخيم الفاضل ، فإذا رآه رئيسهم قد مشى حاله وقبل بينهم مقاله وزن نفسه معه إذا رأى أنه ازدري به وطعن عليه لم يقبل منه ، فإن الناس في الغالب يميلون مع الغريب وينسبه أصحابه إلى الجهل وقلة الدين ، ولا يصدقونه لأنهم يرون القادم قد شدد عليهم وضيق ، وكلما كان الرجل أعظم تضييقا وتشديدا كان أفقه عندهم ، فينصرف عن هذا الرأي فيأخذ في مدحه وشكره ، فيقول لقد عظم الله ثواب فلان إذ قوى ناموس الدين في قلوب هذه الجماعة ، وشيد اساسه ، وأحكم سياج الشرع ، فيبلغ القادم قوله فيقول ما عندكم أفقه منه ولا أعلم بالتوراة وإذا لقيه يقول : لقد زين الله بك أهل بلدنا ، ونعش بك هذه الطائفة!!! وإن كان القادم عليهم حبرا من أحبارهم فهناك ترى العجب العجيب من الناموس التي تراه يعتمده والسنن التي يحدثها ، ولا يعترض عليه أحد ، بل تراهم مسلمين له ، وهو يحتلب درّهم ويجتلب درهمهم ، وإذا بلغه عن يهودي طعن عليه صبر عليه حتى يرى منه جلوسا على قارعة الطريق يوم السبت أو يبلغه أنه اشترى من مسلم لبنا أو خمرا أو خرج عن بعض أحكام «المشنا ، والتلمود» فحرمه بين ملأ اليهود وأباحهم عرضه ونسبه إلى الخروج عن اليهودية ، فيضيق به البلد على هذه الحال ، فلا يسعه إلا أن يصلح ما بينه وبين الحبر بما يقتضيه الحال ، فيقول لليهود ، إن فلانا قد أبصر رشده وراجع الحق وأقلع عمّا كان فيه وهو اليوم يهودي على الوضع ، فيعودون له بالتعظيم