ولا يجوز قبول خبر فاسق ولا فتواه ، فخالفوهم في سائر ما أصلوه من الأمور التي لم ينطبق بها نص التوراة. وأما تلك الترهات التي ألفها فقهاؤهم الذين يسمونهم «الحخاميم» في علم الذباحة ورتبوها ونسبوها إلى الله فاطرحها القرابون كلها وألغوها ، وصاروا لا يحرمون شيئا من الذبائح التي يتولون ذبحها البتة ، ولهم فقهاء أصحاب تصانيف إلا أنهم يبالغون في الكذب على الله ، وهم أصحاب ظواهر مجردة ، والأولون أصحاب استنباط وقياسات.
(فصل) والفرقة الثانية يقال لهم «الربانون» وهم أكثر عددا ، وفيهم الحخاميم الكذابون على الله الذين زعموا أن الله كان يخاطب جميعهم في كل مسألة بالصوت الذي يسمونه «بث قول» وهذه الطائفة أشد اليهود عداوة لغيرهم من الأمم ، فإن الحخاميم أوهموهم بأن الذبائح لا يحل منها إلا ما كان على الشروط التي ذكروها ، فإن سائر الأمم لا تعرف هذا وأنه شيء خصوا به وميزوا بهم عمن سواهم ، وأن الله شرفهم به كرامة لهم ، فصار الواحد منهم ينظر إلى من ليس على نحلته كما ينظر إلى الدابة ، وينظر إلى ذبائحه كما ينظر إلى الميتة ، وأما «القرابون» فاكثرهم خرجوا إلى دين الإسلام ونفعهم تمسكهم بالظواهر وعدم تحريفها إلى أن لم يبق منهم إلا القليل لأنهم أقرب استعدادا لقبول الإسلام لأمرين .. (أحدهما) إساءة ظنهم بالفقهاء الكذابين المفترين على الله وطعنهم عليهم .. (الثاني) تمسكهم بالظواهر وعدم تحريفها وإبطال معانيها.
وأما أولئك «الربانون» فإن فقهاءهم وحخاميمهم حصروهم في مثل سم الخياط بما وضعوا لهم من التشديدات والآصار والأغلال المضافة إلى الآصار والأغلال التي شرعها الله عقوبة لهم ، وكان لهم في ذلك مقاصد .. (منها) أنهم قصدوا بذلك مبالغتهم في مضادة مذاهب الأمم حتى لا يختلطوا بهم فيؤدي اختلاطهم بهم إلى موافقتهم والخروج من السبت واليهودية .. (القصد الثاني) أن اليهود مبددون في شرق الأرض وغربها وجنوبها وشمالها كما قال تعالى : (وَقَطَّعْناهُمْ فِي الْأَرْضِ أُمَماً) [الأعراف : ١٦٧] ،