كان من الذبائح سليما من هذه الشروط فهو «دخيا» وتفسيره طاهر ، وما كان خارجا عن ذلك فهو «طريفا» وتفسيره نجس حرام ثم قالوا : معنى قوله في التوراة «ولحم فريسة في الصحراء لا تأكلوه ، للكلب القوة» يعني إذا ذبحتم ذبيحة ولم توجد فيها هذه الشروط فلا تأكلوها بل بيعوها على من ليس من أهل ملتكم ، قالوا ومعنى قوله «للكلب القوة» أي لمن ليس على ملتكم فهو الكلب فأطعموه إياه بالثمن ، فتأمل هذا التحريف والكذب على الله وعلى التوراة وعلى موسى ، ولذلك كذبهم الله على لسان رسوله في تحريم ذلك فقال في السورة المدنية التي خاطب فيها أهل الكتاب (فَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللهُ حَلالاً طَيِّباً وَاشْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ ، إِنَّما حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَما أُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ) [النحل : ١١٤ ـ ١١٥] ، الآية ، وقال في سورة الأنعام : (قُلْ لا أَجِدُ فِي ما أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلى طاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقاً أُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ ، فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ. وَعَلَى الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ ، وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُما إِلَّا ما حَمَلَتْ ظُهُورُهُما أَوِ الْحَوايا أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ) [الأنعام : ١٤٥ ـ ١٤٦] ، فهذا تحريم زائد على تحريم الأربعة المتقدمة ، وقال في سورة النحل وهي بعد هذه السورة نزولا : (وَعَلَى الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا ما قَصَصْنا عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ) [النمل : ١١٨] ، فهذا المحرم عليهم بنص التوراة ونص القرآن.
فلما نظر «القرابون» منهم وهم أصحاب عايان وبنيامين إلى هذه المحالات الشنيعة والافتراء الفاحش والكذب البارد على الله وعلى التوراة وعلى موسى وأن أصحاب «التلمود والمشنا» كذابون على الله وعلى التوراة وعلى موسى ، وأنهم أصحاب حماقات ورقاعات ، وأن أتباعهم ومشايخهم يزعمون أن الفقهاء منهم كانوا إذا اختلفوا في مسألة من هذه المسائل وغيرها يوحي الله إليهم بصوت يسمعونه «الحق في هذه المسألة مع الفقيه فلان» ويسمون هذا الصوت «بث قول» فلما نظر «القرابون» إلى هذا الكذب المحال قالوا : قد فسق هؤلاء ،