من ذبائحهم ، ولم يمكنهم ذلك إلا بحجة يبتدعونها من أنفسهم ويكذبون فيها على الله ، فإن التوراة إنما حرمت عليهم مناكحة غيرهم من الأمم لئلا يوافقوا أزواجهم في عبادة الأصنام والكفر بالله ، وإنما حرمت عليهم أكل ذبائح الأمم التي يذبحونها قربانا للأصنام لأنه سمي عليها غير اسم الله ، فأما ما ذكر عليه اسم الله وذبح لله فلم تنطق التوراة بتحريمه البتة بل نطقت بإباحة أكلهم من أيدي غيرهم من الأمم ، وموسى إنما نهاهم عن مناكحة عباد الأصنام خاصة وأكل ما يذبحونه باسم الأصنام ، قالوا : التوراة حرمت علينا أكل الطريفا ، قيل لهم : الطريفا هي الفريسة التي يفترسها الأسد أو الذئب أو غيرهما من السباع كما قال في التوراة «ولحم في الصحراء فريسة لا تأكلوا وللكلب القوة» فلما نظر فقهاؤهم إلى أن التوراة غير ناطقة بتحريم مآكل الأمم عليهم إلا عباد الأصنام وصرحت التوراة بأن تحريم مؤاكلتهم ومخالطتهم خوف استدراج المخالطة إلى المناكحة والمناكحة قد تستتبع الانتقال من دينهم إلى أديانهم وموافقتهم في عبادة الأوثان ووجدوا جميع هذا واضحا في التوراة اختلقوا كتابا سموه «هلكث شحيطا» وتفسيره! علم الذباحة ، ووضعوا في هذا الكتاب من الآصار والأغلال ما شغلوهم به عما هم فيه من الذل والصغار والخزي ، فامروهم فيه أن ينفخوا الرئة حتى يملؤها هواء ويتأملونها هل يخرج الهواء من ثقب منها أم لا فإن خرج منها الهواء حرموه ، وإن كانت بعض أطراف الرئة لاصقة ببعض لم يأكلوه ، وأمروا الذي يتفقد الذبيحة أن يدخل يده في بطن الذبيحة ويتأمل بأصابعه فإن وجد القلب ملتصقا إلى الظهر أو أحد الجانبين ولو كان الالتصاق بعرق دقيق كالشعرة حرموه ولم يأكلوه وسموه «طريفا» ومعنى هذه اللفظة عندهم أنه نجس حرام ، وهذه التسمية عدوان منهم ، فإن معناها في لغتهم هي الفريسة التي يفترسها السبع ليس لها معنى في لغتهم سواه ، ولذلك عندهم في التوراة أن إخوة يوسف لما جاءوا بقميصه ملطخا بالدم قال يعقوب في جملة كلام «طاروف طوراف يوسيف» تفسره : وحش رديء أكله افتراسا افترس يوسف ، وفي التوراة «ولحم في الصحراء فريسة لا تأكلوا» فهذا الذي حرمته التوراة من الطريفا ، وهذا نزل عليهم وهم في التيه وقد اشتد قرمهم إلى اللحم فمنعوا من أكل الفريسة والميتة ، ثم اختلفوا في خرافات وهذيانات تتعلق بالرئة وقالوا ما