ثُمَّ جَعَلْناهُ نُطْفَةً فِي قَرارٍ مَكِينٍ ، ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً ، فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً) [المؤمنون : ١٢] ، إلى آخر الآية ، فاستطرد من الشخص المخلوق من الطين وهو آدم إلى النوع المخلوق من النطفة وهم أولاده ، واوقع الضمير على الجميع بلفظ واحد ، ومثله قوله تعالى : (هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْها زَوْجَها لِيَسْكُنَ إِلَيْها ، فَلَمَّا تَغَشَّاها حَمَلَتْ حَمْلاً خَفِيفاً فَمَرَّتْ بِهِ ، فَلَمَّا أَثْقَلَتْ دَعَوَا اللهَ رَبَّهُما لَئِنْ آتَيْتَنا صالِحاً لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ ، فَلَمَّا آتاهُما صالِحاً جَعَلا لَهُ شُرَكاءَ فِيما آتاهُما ، فَتَعالَى اللهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ) [الأعراف : ١٨٩ ـ ١٩٠] ، إلى آخر الآيات ، ويشبه هذا قوله تعالى : (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ ، الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْداً وَجَعَلَ لَكُمْ فِيها سُبُلاً لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ ، وَالَّذِي نَزَّلَ مِنَ السَّماءِ ماءً بِقَدَرٍ فَأَنْشَرْنا بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً كَذلِكَ تُخْرَجُونَ ، وَالَّذِي خَلَقَ الْأَزْواجَ كُلَّها) [الزخرف : ٩ ـ ١٠ ـ ١١ ـ ١٢ ـ ١٣] ، إلى آخر الآيات ، وعلى التقديرين فهؤلاء لم يتم لهم إنكار نبوة النبي صلىاللهعليهوسلم ، ومكابرتهم إلا بهذا الجحد والتكذيب العام ، ورأوا أنهم إن اقروا ببعض النبوات وجحدوا نبوته ظهر تناقضهم وتفريقهم بين المتماثلين ، وأنهم لا يمكنهم الإيمان بنبي وجحد نبوة من نبوته أظهر وآياتها أكثر واعظم ممن أقروا به. واخبر سبحانه أن من جحد أن يكون قد أرسل رسله وأنزل كتبه لم يقدره حق قدرة ، وأنه نسبه إلى ما لا يليق به بل يتعالى ويتنزه عنه ، فإن في ذلك إنكار دينه وإلهيته وملكه وحكمته ورحمته ، والظن السيئ به أنه خلق خلقه عبثا باطلا ، وأنه خلاهم سدا مهملا وهذا ينافي كماله المقدس وهو متعال عن كل ما ينافي كماله ، فمن أنكر كلامه وتكليمه وإرساله الرسل إلى خلقه فما قدره حق قدره ، ولا عرفه حق معرفته ، ولا عظمه حق عظمته ، كما أن من عبد معه إلها غيره لم يقدره حق قدره معطل جاحد لصفات كماله. ونعوت جلاله وإرسال رسله وإنزال كتبه ، ولا عظمه حق عظمته.