[الأنعام : ٩١] ، ولا سيما على قراءة من قرأ بتاء الخطاب؟ وهل ذلك صالح لغير اليهود؟ فانهم كانوا يخفون من الكتاب ما لا يوافق أهواءهم وأغراضهم ، ويبدون منه ما سواه ، فاحتج عليهم بما يقرون به من كتاب موسى ، ثم وبخهم بأنهم خانوا الله ورسوله فيه ، فأخفوا بعضه وأظهروا بعضه ، وهذا استطراد من ذكر جحدهم النبوة بالكلية ، وذلك إخفاء لها وكتمان إلى جحد ما أقروا به كتابهم بإخفائه وكتمانه ، فتلك سجية لهم معروفة لا تنكر ، إذ من أخفى بعض كتابه الذي يقر بأنه من عند الله ، كيف لا يجحد أصل النبوة؟! ثم احتج عليهم ، بأنهم قد علموا بالوحي ما لم يكونوا يعلمونه هم ولا آباؤهم ، ولو لا الوحي الذي أنزله على أنبيائه ورسله لم يصلوا إليه ، ثم أمر رسوله أن يجيب عن هذا السؤال ، وهو قوله : (مَنْ أَنْزَلَ الْكِتابَ الَّذِي جاءَ بِهِ مُوسى) [الأنعام : ٩١] ، فقال (قُلِ اللهُ) : أي الله الذي أنزله ، أي إن كفروا به وجحدوه فصدق به أنت وأقربه : (ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ)؟ [الأنعام : ٩١] ، جواب هذا السؤال أن يقال : أن الله سبحانه احتج عليهم بما يقر به أهل الكتابين وهم أولو العلم دون الأمم التي لا كتاب لها ، أي إن جحدتم أصل النبوة وأن يكون الله أنزل على بشر شيئا فهذا كتاب موسى تقر به أهل الكتاب وهم أعلى منكم فاسألوهم عنه ، ونظائر هذا في القرآن كثيرة يستشهد سبحانه بأهل الكتاب على منكري النبوات والتوحيد ، والمعنى إنكم إن أنكرتم أن يكون الله أنزل على بشر شيئا فمن أنزل كتاب موسى؟ فإن لم تعلموا ذلك فاسألوا أهل الكتاب ؛ وأما قوله تعالى : (تَجْعَلُونَهُ قَراطِيسَ تُبْدُونَها وَتُخْفُونَ كَثِيراً) [الأنعام : ٩١] ، فمن قرأها بالياء فهو إخبار عن اليهود بلفظ الغيبة ، ومن قرأها بلفظ التاء للخطاب فهو خطاب لهذا الجنس الذي فعلوا ذلك أي تجعلونه يا من أنزل عليه كذلك ، وهذا من أعلام نبوته أن يخبر أهل الكتاب بما اعتمدوه في كتابهم ، وأنهم جعلوه قراطيس وابدوا بعضه واخفوا كثيرا منه ، وهذا لا يعلم من غير جهتهم إلا بوحي من الله ، ولا يلزم أن يكون قوله : (تَجْعَلُونَهُ قَراطِيسَ) [الأنعام : ٩١] ، خطابا لمن حكى عنهم أنهم قالوا : (ما أَنْزَلَ اللهُ عَلى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ) [الأنعام : ٩١] ، بل هذا استطراد من الشيء إلى نظيره وشبهه ولازمه ، وله نظائر في القرآن كثيرة كقوله تعالى : (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ ،