وَهُدىً لِلنَّاسِ تَجْعَلُونَهُ قَراطِيسَ ، تُبْدُونَها وَتُخْفُونَ كَثِيراً ، وَعُلِّمْتُمْ ما لَمْ تَعْلَمُوا أَنْتُمْ وَلا آباؤُكُمْ قُلِ : اللهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ) [الأنعام : ٩١] ، قال سعيد بن جبير : جاء رجل من اليهود يقال له مالك بن الصيف يخاصم النبي صلىاللهعليهوسلم ، فقال له النبي صلىاللهعليهوسلم : أنشدك بالذي أنزل التوراة على موسى ، أما تجد في التوراة أن الله يبغض الحبر السمين؟! وكان حبرا سمينا ، فغضب عدو الله وقال : والله ما أنزل الله على بشر من شيء. فقال له أصحابه الذين معه : ويحك ولا موسى؟ فقال : والله ما أنزل الله على بشر من شيء. فأنزل الله عزوجل : (وَما قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ) [الأنعام : ٩١] ، الآية ، وهذا قول عكرمة ، قال محمد بن كعب : «جاء ناس من اليهود إلى النبي صلىاللهعليهوسلم ، وهو محتب ، فقالوا : يا أبا القاسم ، ألا تأتينا بكتاب من السماء كما جاء به موسى ألواحا يحملها من عند الله عزوجل؟ فأنزل الله عزوجل : (يَسْئَلُكَ أَهْلُ الْكِتابِ أَنْ تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتاباً مِنَ السَّماءِ فَقَدْ سَأَلُوا مُوسى أَكْبَرَ مِنْ ذلِكَ) [النساء : ١٥٣] ، الآية وجاء رجل من اليهود فقال : ما أنزل الله عليك ولا على موسى ولا على عيسى ولا على أحد شيئا ، ما أنزل الله على بشر من شيء ، فحل رسول الله صلىاللهعليهوسلم حبوته ، وجعل يقول : ولا على أحد؟!!» وذهب جماعة منهم مجاهد ، إلى أن الآية نزلت في مشركي قريش ، فهم الذين جحدوا أصل الرسالة ، وكذبوا بالرسل ، وأما أهل الكتاب فلم يجحدوا نبوة موسى وعيسى ، وهذا اختيار ابن جرير ، قال : وهو أولى الأقاويل بالصواب ، لأن ذلك في سياق الخبر عنهم ، فهو أشبه من أن يكون خبرا عن اليهود ، ولم يجر لهم ذكر يكون هذا به متصلا ، مع ما في الخبر عن من أخبر الله عنه من هذه الآية من إنكاره أن يكون الله أنزل على بشر شيئا من الكتب ، وليس ذلك مما تدين به اليهود ، بل المعروف من دين اليهود الإقرار بصحف إبراهيم ، وموسى ، وزبور داود ، والخبر من أول السور إلى هذا الموضع خبر عن المشركين من عبدة الأوثان ، وقوله : (وَما قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ) [الأنعام : ٩١] ، موصول به غير مفصول عنه ، قلت : ويقوي قوله ، أن السورة مكية ، فهي خبر عن زنادقة العرب ، المنكرين لأصل النبوة. ولكن بقي أن يقال : فكيف يحسن الرد عليهم بما لا يقرون به من إنزال الكتاب الذي جاء به موسى؟ وكيف يقال لهم : (تَجْعَلُونَهُ قَراطِيسَ تُبْدُونَها وَتُخْفُونَ كَثِيراً) [الأنعام : ٩١] ،؟!