فحسبك من جهالة أمة وجفائهم أنهم اتهموا نبيهم ونسبوه إلى قتل أخيه فقال موسى ما قتلته فلم يصدقوه حتى أسمعهم كلامه وبراءة أخيه مما رموه به. ومن جهلهم أن الله سبحانه شبههم في حملهم التوراة وعدم الفقه فيها والعمل بها بالحمار يحمل أسفارا ، وفي هذا التشبيه من النداء على جهالتهم وجوه متعددة : (منها) أن الحمار من أبلد الحيوانات التي يضرب بها المثل في البلاد و (منها) أنه لو حمل غير الأسفار من طعام أو علف أو ماء لكان له به شعور بخلاف الأسفار. و (منها) أنهم حملوها لا أنهم حملوها طوعا واختيارا بل كانوا كالمكلفين لما حملوه لم يرفعوا به رأسا. و (منها) أنهم حيث حملوها تكليفا وقهرا لم يرضوا بها ولم يحملوها رضا واختيارا وقد علموا أنهم لا بد لهم منها ، وأنهم إن حملوها اختيارا كانت لهم العاقبة في الدنيا والآخرة. و (منها) أنها مشتملة على مصالح معاشهم ومعادهم وسعادتهم في الدنيا والآخرة فإعراضهم عن التزام ما فيه سعادتهم وفلاحهم إلى ضده من غاية الجهل والغباوة وعدم الفطانة. ومن جهلهم وقلة معرفتهم أنهم طلبوا عوض المن والسلوى اللذين هما أطيب الأطعمة وأنفعها وأوفقها للغذاء الصالح البقل والقثاء والثوم والعدس والبصل ، ومن رضي باستبدال هذه الأغذية عوضا عن المن والسلوى لم تكن عليه أن يستبدل الكفر بالإيمان والضلالة بالهدى والغضب بالرضى والعقوبة بالرحمة. وهذه حال من لم يعرف ربه ولا كتابه ولا رسوله ولا نفسه.
وأما نقضهم ميثاقهم ، وتبديلهم أحكام التوراة ، وتحريفهم الكلم عن مواضعه ، وأكلهم الربا وقد نهوا عنه ، وأكلهم الرشا ، واعتدائهم في السبت حتى مسخوا قردة وقتلهم الأنبياء بغير حق ، وتكذيبهم عيسى ابن مريم رسول الله ، ورميهم له ولأمه بالعظائم ، وحرصهم على قتله ، وتفردهم دون الأمم بالخبث والبهت ، وشدة تكالبهم على الدنيا وحرصهم عليها ، وقسوة قلوبهم ، وحسدهم ، وكثرة سخرهم ؛ فاليه النهاية. وهذا وأضعافه من الجهل وفساد العقل قليل على من كذب رسل الله وجاهر بمعاداته ومعاداة ملائكته وأنبيائه وأهل ولايته ، فأي شيء عرف من لم يعرف الله ورسله؟! وأي حقيقة أدرك من فاتته هذه الحقيقة؟! وأي علم أو عمل حصل لمن فاته العلم بالله ، والعمل بمرضاته ،