رسول الله (ص) يقول ما حق امرئ مسلم له شئ يوصي فيه يبيت ثلاث ليال إلا ووصيته عنده مكتوبة (١).
وروى نحو ذلك من عدة طرق فكيف تقبل العقول أن النبي يقول ما لا يفعل؟ وقد تضمن كتاب الله تعالى " أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم وأنتم تتلون الكتاب أفلا تعقلون " (٢).
وقال الله تعالى عمن هو دون محمد (ص) من الأنبياء " وما أريد أن أخالفكم إلى ما أنهاكم عنه " (٣).
فكيف يأمر نبينا (ص) بالوصية ولو في الشئ اليسير ويتركها هو في الأمر الكبير والجم الغفير؟ لا سيما وقد رووا أن الله تعالى عرفه ما يحدث في أمته من الاختلاف العظيم وسيأتي أخبارهم ببعض ذلك في هذا الكتاب إن شاء الله تعالى ما هكذا تقتضي صفات السياسة المرضية وعموم الرحمة الإلهية وثبوت الشفقة المحمدية وكيف يصدق عاقل أو جاهل أن محمدا (ص) يترك الأمة بأسرها كبيرها وصغيرها غنيها وفقيرها عالمها وجاهلها في ظلمة الحيرة والاختلاف والاهمال والضلال؟ لقد أعاذه الله من هذه الحال ولقد نسبوه إلى غير صفاته الشريفة وما عرفوا أو عرفوا وجحدوا حقوق ذاته المعظمة المنيفة.
ومن الحوادث التي حدثت بطريق ذلك القول وبطريق يلزم الأربعة المذاهب في الإمامة بالاختيار من بعض الأمة أن الناس لما أرادوا دفع بني هاشم عن حقوقهم ومقام نبيهم واطراح
وصايا النبي بهم تعصب قوم لآل حرب وبني
__________________
(١) مسلم في صحيحه : ٣ / ١٢٥٠ ، ورواه مالك عن عبد الله بن عمر مثله إلا أن فيه بدل ثلاث ليال (ليلتين) في الموطأ : ٢ / ١٣٠.
(٢) البقرة : ٤٤.
(٣) هود : ٨٨.