فممن هذا التحسر والتفريط والتقصير وعلى ماذا يندم النادمون ويبكي الباكون ، ومثل هذا في كتابهم كثير ، ومن العجب أن الشيطان يعترف لهم أنه أضلهم وغرهم ويشهد الله لهم عليه بذلك وينزهون الشيطان من اعترافه ولا يقبلون شهادة الله تعالى عليه.
أما اعتراف الشيطان فهو في مواضع كثيرة منها قوله " إن الله وعدكم وعد الحق ووعدتكم فأخلفتكم وما كان لي عليكم من سلطان إلا أن دعوتكم فاستجبتم لي فلا تلوموني ولوموا أنفسكم " (١) وأما شهادة الله لهم عليه بذلك فهو في مواضع منها قوله تعالى " الشيطان سول وأملى لهم " (٢) فردوا على الله شهادته ونزهوا الشيطان عن اعترافه بضلالهم وغرورهم وقالوا : ما أضلهم إلا الله.
ومن طرائف أعذارهم يوم القيامة بما يدل على تنزيه الله من أفعال عباده قولهم " ربنا أطعنا سادتنا وكبراءنا فأضلونا السبيلا ربنا آتهم ضعفين من العذاب والعنهم لعنا كبيرا " (٣) فلو كان هؤلاء قد وجدوا يوم القيامة إن الذين أضلهم في الدنيا هو الله وحده ما كانوا اعترفوا به على أنفسهم ولا ادعوه على ساداتهم وكبرائهم ، ثم لو كانوا قد علموا أن الله تعالى هو المضل لهم فعلى من يدعون ومن يلعنون.
ومن طرائف أعذارهم الدالة تنزيه الله تعالى قولهم " ربنا أرنا الذين أضلانا من الجن والإنس نجعلهما تحت أقدامنا ليكونا من الأسفلين " (٤) فإن
__________________
(١) إبراهيم : ٢٢.
(٢) محمد : ٢٥.
(٣) الأحزاب : ٦٧ و ٦٨.
(٤) فصلت : ٢٩.