كانوا قد علموا أن الله أضلهم فمن يجعلون تحت أقدامهم ، وعلى من هذا التظلم وممن هذا التألم.
ومن طرائف أعذارهم الدالة أيضا على تنزيه الله سبحانه عن أفعال عبيده قولهم " وما أضلنا إلا المجرمون " (١) فإذا كانت هذه أعذارهم وأقوالهم يوم يكشف الأسرار وتحقق الأخبار فهلا اعتذرت المجبرة في الدنيا بذلك وقالوا الآن من الأعذار ما يريدون أن يقولوه يوم القيامة ، ولو كانت أعمالهم من الله جل جلاله كانوا قد اعتذروا إليه سبحانه تعالى بذلك أو كان يعتذر به بعضهم ويقولون يا ربنا أنت منعتنا من الإيمان وخلقت فينا الظلم والعدوان ، فأي ذنب لنا ، فإن كتابكم يشهد أن بعض الخلائق يكابرون الله ويجحدونه حتى يقولوا " والله ربنا ما كنا مشركين " فقال " انظر كيف كذبوا على أنفسهم " (٢) وقال في كتابهم " يحلفون له كما يحلفون لكم ويحسبون أنهم على شئ " (٣) فمن أقدم على هذه المكابرة لله بالكذب؟ لو كان يعلم أن الله تعالى فعل ذلك ، ما كان يحتاج إلى هذه المكابرة ، وكان يقدر أن يقول له يا رب أنت فعلت ونحن ما فعلنا شيئا.
ومن طرائف ذلك قوله تعالى " أنظر كيف كذبوا على أنفسهم " يدل على تعجبه منهم كيف أنكروا أنهم أشركوا ، فلو كان هو الذي فعل فيهم الشرك وقضاه عليهم فممن كان يتعجب ، وإن كان هو الذي قهرهم يوم القيامة على هذا الجحود والإنكار فهل كان يقع من أحكم الحاكمين وأعدل العادلين أنه يتعجب منهم؟ وهو الذي فعله؟ وهل يكون التعجب على قولهم إلا من نفسه
__________________
(١) الشعراء : ٩٩
(٢) الأنعام : ٢٣ و ٢٤.
(٣) المجادلة : ١٨.