يا عبدي ، فعلت أنا عبادتك ، فافعلها أنت بعينها أيضا. ومعلوم أن هذا الكلام باطل.
الثالث : إن قوله تعالى : (خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ) يدل على أن خلق تلك الأشياء ، قد حصل ودخل في الوجود ، وصار مفروغا منه ، كما إذا قال قائل : فلان قاتل زيدا : فهم منه : أن ذلك القتل قد حصل ، ودخل في الوجود ، وفرغ منه. وأما قوله : (فَاعْبُدُوهُ) فهو أمر ، والأمر إنما يتعلق بما يكون حاصلا في الحال. لكنه مما سيحصل.
قلت : إن كل ما دخل تحت قوله : (خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ) فقد حصل في الحال ، ولا داخل في الوجود. وهذا يفيد القطع بأن الداخل تحت قوله : (فَاعْبُدُوهُ) غير داخل تحت قوله : (خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ).
والوجه الثالث في بيان الدلائل المتصلة بهذه الآية الدالة على كونها مخصوصة ، بما سوى أفعال العباد : أنه تعالى قال بعد هذه الآية : (قَدْ جاءَكُمْ بَصائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ. فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ ، وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْها) (١) وهذا تصريح بأن العبد مستقل بأفعال نفسه ، وأن زمام الاختيار إليه ، وأنه البتة غير مجبور على شيء من أفعاله.
فهذه الوجوه الثلاثة : دلائل متصلة بهذه الآية دالة على كونها مخصوصة ، بما سوى أفعال العباد.
وأما الدلائل المخصصة المنفصلة فهي ثلاثة : بديهية العقل ، ودليل العقل ، ودليل السمع.
أما الأول وهو بديهة العقل. فتقريره : أن أصحاب «أبي الحسين» قالوا : حسن المدح والذم والمؤاخذة والمطالبة : معلوم بالضرورة ، ونعلم أيضا بالضرورة : أن العبد لو لم يكن موجدا لأفعال نفسه ، لما حسنت هذه الأشياء ، فلما كان العلم بحسن المدح والذم ضروريا ، وكان العلم بكون العبد موجدا
__________________
(١) سورة الأنعام ، آية : ١٠٤.