لأفعال نفسه أصلا لذلك العلم ، وثبت أن ما كان أصلا للعلم الضروري ، أولى أن يكون ضروريا ؛ ثبت : أن العلم بكون العبد موجدا لأفعال نفسه ، علم ضروري ، ولما جاز تخصيص عموم القرآن بدليل العقل ، فلأن يجوز تخصيصه ببديهة العقل ، كان أولى.
وأما الثاني والثالث وهو بيان الدلائل العقلية والسمعية ، الدالة على أن الموجد لأفعال العبد ، هو العبد. فسيأتي تقريرها إن شاء الله تعالى.
سلمنا : أنا لا نعرف لعموم قوله : (خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ) مخصصا. إلا أن عدم العلم بالشيء ، لا يدل على العلم بعدم الشيء ، فلا يمكننا القطع بعدم المخصص ، وحينئذ تصير هذه الدلائل ظنية. لا يقال : إنا نقيم الدلالة العقلية على أنه تعالى خالق لأعمال العباد ، ونجعل تلك الدلالة العقلية مؤكدة ، لظاهر هذا النص ، ونعلم أن الدليل العقلي لا يعارضه معارض. فبهذا الطريق نعلم أن ظاهر هذا العموم سليم عن المعارض. لأنا نقول : فعلى هذا التقدير ما لم يعرفوا تلك الدلالة العقلية الدالة على أن موجد فعل العبد هو الله ، لا يمكنكم التمسك بهذا العموم. لكنكم إذا عرفتم ذلك الدليل ، فقد استغنيتم عن التمسك بهذا العموم.
سلمنا : أن هذه الآية تدل على أنه تعالى خالق لأعمال العباد ، وموجد لها. لكن لم قلتم : إن ذلك ينافي كون العبد موجدا لها؟ فإن هذا إنما يتم إذا أقمتم الدلالة على امتناع وقوع مخلوق بين خالقين. والذي يقوي هذا السؤال : هو أن عندكم فعل العبد ، فعل الله تعالى ، فإذا لم يمتنع حصول فعل لفاعلين ، فكيف يمتنع مخلوق لخالقين؟ والله أعلم.
والجواب :
قوله : «لم لا يجوز أن يكون الله خالقا لأعمال العباد ، بمعنى : أنه مقدر لها ، وهذا التقدير مفسر بالحكم والإخبار؟» قلنا : هذا باطل. لأن المخبر عن هذا المعنى لا يسمى خالقا ، وإلا لكان العبد ، إذا أخبر أن الإله قديم