وثانيها : تنزيل الشيء منزلة غيره. قال تعالى : (أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ ، كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ ، أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ؟) (١) والتقدير : هل ننزل المصلحين منزلة المفسدين؟ وكقول القائل إذا نزله منزلة العدو : إنك جعلتني عدوا لنفسك.
وثالثها : الإقدار على الشيء ، والتمكين منه. يقال : جعل فلان أميرا وقاضيا. إذا نصب لذلك. قال تعالى : (إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً) (٢) وقال : (وَجَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً) (٣) والمراد منه : النصب لذلك الأمر ، والتعيين له.
إذا ثبت هذا فنقول : لم لا يجوز أن يكون المراد من قوله : (رَبَّنا وَاجْعَلْنا مُسْلِمَيْنِ لَكَ) : أحد هذه الوجوه؟ أما الحكم والتسمية فظاهر.
ولا يقال : هذا باطل من وجهين : الأول : إن كل مسلم فإنه يستحق أن يسمى مسلما. فأي فائدة في طلب ذلك من الله تعالى؟ الثاني : إن المسلمين يصفون المسلمين بالإسلام. وعلى هذا التقدير لا يبقى بين الجعل الصادر من الله تعالى ، وبين الجعل الصادر من كل أحد من آحاد المسلمين فرق.
لأنا نجيب عن الأول : بأن الإسلام أعظم الخصال الحميدة ، فإذا وصف الله عبدا بذلك ، كان ذلك أشرف المناصب وأعلاها. فلا جرم يحسن طلبه من الله تعالى. ونظيره : ما حكى الله في قوله : (وَاجْعَلْ لِي لِسانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ) (٤).
وعن الثاني : إن الله تعالى إذا وصف عبدا بخصلة شريفة ، كان ذلك يوجب من التعظيم والتقديم ما لا يوجبه وصف كل الخلق له بتلك الخصلة. ألا ترى أن الملك العظيم إذا وصف إنسانا ببعض صفات المدح
__________________
(١) ص ٢٨.
(٢) سورة البقرة ، آية : ١٢٤.
(٣) سورة الأنبياء ، آية : ٧٣.
(٤) سورة الشعراء ، آية : ٨٤.