والثناء ، كان ذلك أبلغ في التعظيم مما إذا وصفه بعض الأراذل بذلك. فكذا هاهنا. ثم نقول: وأيضا : يمكن حمل قوله : (رَبَّنا وَاجْعَلْنا مُسْلِمَيْنِ لَكَ) على أن يكون المطلوب تنزيلهما منزلة المسلمين في المدح والتعظيم ، أو في تكثير الألطاف في الدنيا ، أو في تكثير الثواب في الآخرة. والمسلم إن كان يستحق كل ذلك على الله تعالى ، إلا أنه لا يبعد أن يقال : إنه متى سأل الله تعالى ذلك ، فإنه لأجل ذلك السؤال يستحق مزيدا في هذه الأمور.
ثم نقول : أيضا : لا يبعد حمله على التمكين من الإسلام في الزمان المستقبل ، ولا يبعد أن يتوقف حسن تمكينها في المستقبل على إقدامها على ذلك السؤال. فثبت بما ذكرنا : أن قوله : (رَبَّنا وَاجْعَلْنا مُسْلِمَيْنِ لَكَ) محتمل لكل واحد من هذه الوجوه الثلاثة ، فكان الجرم بحمله على الإيجاد والتكوين تحكما محضا.
سلمنا : أن المراد من الجعل : التكوين والتصيير. لكن لم لا يجوز أن يكون المراد منه : خلق الألطاف الداعية لهما إلى الإسلام؟ لأن من فعل الله تعالى به ذلك ، فقد جعله مسلما ألا ترى أن من أدّب ولده حتى صار أديبا ، فإنه يجوز أن يقول له : إني صيرتك أديبا وجعلتك عالما. وفي ضد ذلك يقال : إنه جعل ولده لصا محتالا.
ثم نقول : هذه الآية متروكة الظاهر. لأنهما وقت هذا السؤال ، كانا مسلمين. فقوله : (رَبَّنا وَاجْعَلْنا مُسْلِمَيْنِ لَكَ) يقتضي طلب تحصيل الحاصل. وهو باطل.
ثم نقول : هب أن ظاهر هذه الآية يقتضي كونه تعالى خالقا للإسلام ، لكنه على خلاف الدلائل العقلية. لأنه لو كان فعل العبد مخلوقا لله تعالى ، لما استوجب العبد به مدحا ولا ذما ولا ثوابا ولا عقابا. وبالله التوفيق.
والجواب عن السؤال الأول من وجهين :
الأول : إن الجعل المتعدي إلى مفعولين ، هو أن يصير موصوفا بصفة. فقوله : (رَبَّنا وَاجْعَلْنا مُسْلِمَيْنِ لَكَ) أي صيرنا موصوفين بصفة الإسلام