ولا معنى للتصيير إلا إيجاد الصفة فيه. وأما الوجوه التي ذكروها. فقد اتفق أهل اللغة على أنها مجازات. والأصل في الكلام هو الحقيقة. ثم نقول : أما حمل الجعل على الحكم والتسمية فباطل من وجوه :
الأول : لو كان كذلك ، لكان من أخبر أن الله : موجود ، حي ، عالم ، قادر. لزم جواز أن يقال : إنه جعل الله موجودا عالما قادرا. ومعلوم أنه باطل.
الثاني : لا نزاع أن الجعل حقيقة في التصيير ، فوجب أن لا يكون حقيقة في غيره ، دفعا للاشتراك.
الثالث : إن بتقدير أن يكون المراد منه هو الحكم والتسمية. لكن الجبر على هذا التقدير أيضا لازم ، لما ثبت في باب العقليات : أن ما أخبر الله عنه ، فإن خلافه يفضي إلى الكذب في كلام الله. وذلك محال ، والمفضي إلى المحال محال ، فكان خلافه محالا ، فكان حصوله واجبا ، ضرورة أنه لا خروج عن النقيضين. فثبت : أن هذا الوجه الذي ذكروه ، فإنه مع غاية ضعفه ، لو صح ؛ فإن يقوى مذهبنا ويؤكده.
قوله : «لما لا يجوز حمله على طلب الألطاف؟» قلنا : هذا أيضا مدفوع لوجوه :
الأول : إن لفظ الجعل مضاف إلى الاسلام ، فصرفه إلى غيره مخالفة للظاهر.
الثاني : إن عندكم كل ما أمكن فعله من الألطاف ، فقد فعله الله. فحمل هذا السؤال على طلب الألطاف يكون طلبا لتحصيل الحاصل. وهو محال.
الثالث : إن تلك الألطاف. إما أن يكون لها أثر في ترجيح جانب الفعل على جانب الترك ، أو لا يكون. فإن لم يكن لها أثر في هذا الترجيح ، كان أمرا أجنبيا عن الإيمان ، جاريا مجرى نعيق الغراب ، وصرير الباب. وأما إن كان