لتلك الألطاف أثر في الترجيح. فنقول : متى حصل الرجحان ، فقد حصل الوجوب. وذلك لأن مع حصول ذلك القدر من الترجيح. إما أن يجب الفعل أو يمتنع ، أو لا يجب ولا يمتنع. فإن وجب فهو المطلوب. وإن امتنع فهو مانع لا مرجح. وإن لم يجب ولم يمتنع ، فحينئذ يمكن وقوع الفعل معه تارة ، ولا وقوعه أخرى.
فاختصاص أحد الوقتين بالوقوع والوقت الآخر باللاوقوع. إن كان لانضمام أمر آخر إليه كان اللطف المؤثر في الترجيح هو المجموع الحاصل مما حصل أولا. ومن هذه الضمانة فلا يكون الذي فرضناه حاصلا ، مؤثرا البتة في شيء من الترجيح ، وكنا فرضناه كذلك. هذا خلف. وإن لم يكن لانضمام قيد آخر إليه ، لزم الرجحان من غير مرجح. وهو محال. فثبت: أن عند حصول ذلك اللطف يجب حصول الفعل ، وعند عدمه يمتنع. وذلك يعود إلى ما ذكرناه من أن حصول الفعل عند مجموع القدرة والداعي واجب. وذلك هو عين مذهبنا.
أما قوله : «لما كانا مسلمين ، كان إقدامها على طلب الإسلام طلبا لتحصيل الحاصل. وهو محال» فنقول : الجواب عنه من وجوه :
الأول : إن الإسلام عرض قائم بالقلب ، والعرض لا يبقى. فقوله : (اجْعَلْنا مُسْلِمَيْنِ لَكَ) معناه : طلب أن يخلق الله ذلك العرض في قلبه في الزمان المستقبل. ومعلوم أن طلب تحصيله في الزمان المستقبل ، لا ينافي كونه حاصلا في الحال.
الثاني : أن يكون المراد منه : الزيادة في الإسلام ، كقوله تعالى : (لِيَزْدادُوا إِيماناً مَعَ إِيمانِهِمْ) (١) وقوله : (وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زادَهُمْ هُدىً) (٢) وقال ابراهيم عليهالسلام : (وَلكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي) (٣).
__________________
(١) سورة الفتح ، آية : ٤.
(٢) سورة محمد ، آية : ١٧.
(٣) سورة البقرة ، آية : ٢٦٠.