فإن قيل : النص دل على أنه تعالى جعل من عبد الطاغوت. فصيغة جعل هاهنا متعدية إلى مفعول واحد ، فكانت بمعنى الإحداث. فيكون المعنى : أنه تعالى خلق من عبد الطاغوت. ولا نزاع فيه. وليس في الآية دلالة على أنه تعالى خلق عبادة الطاغوت فيهم.
والجواب عنه من وجهين :
الأول : إنه تعالى قال : (وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ) وجعل الشيء من شيء آخر. معناه : إزالة الصفة الأولى ، وإحداث الصفة الثانية. وإذا كان كذلك ، لم يكن هذا الجعل بمعنى الإحداث ، بل بمعنى تصيير الشيء شيئا آخر. وإذا كان من الجعل المذكور في هذه الآية هذا المعنى ، وجب أيضا أن يكون هو المراد في قوله : (وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ) وإلا لزم استعمال اللفظ المشترك في كلا مفهوميه معا. وإنه لا يجوز. وإذا ثبت هذا وجب أن يكون معنى الآية : إنه تعالى جعلهم (عَبَدَ الطَّاغُوتَ) وعند هذا يحصل المطلوب.
الثاني : إنه تعالى إنما ذكر ذلك في معرض الذم لهم. ولو كان المقصود منه أنه تعالى خلق ذواتهم ، لما كان فيه مذمة لهم البتة. لأن المذمة في أن يقال : إنه تعالى جعلهم موصوفين بعبادة الطاغوت. وحينئذ يحصل المقصود.
وبالله التوفيق.