أن هذه الآية التي تمسكتم بها ، ذكرها الله عقيب خبر آل فرعون.
والجواب عن السؤال الأول : إنا إذا قلنا : الفعل معلول مجموع القدرة مع الداعي. فهذا السؤال زائل. وذلك لأن أئمة الضلال إذا دعوا إنسانا إلى الضلال وزينوه في قلبه. فدعوتهم هي التي أثرت في ترسخ تلك الداعية في قلب ذلك الإنسان. فلا جرم جاز وصفه بكونه إماما فيه. وأما تفسير الجعل بالحكم والتسمية. فقد تقدم جوابه.
وأما حمله على أحوال القيامة : فالجواب عنه من وجهين :
الأول : إن قوله : (وَجَعَلْناهُمْ) لفظ للماضي ، فحمله على المستقبل خلاف الظاهر.
والثاني : هب أن الأمر كما قالوه : إلا أنه تعالى لما أخبر عنهم أنهم يكونون كذلك في القيامة ، استحال أن لا يكونوا كذلك. وإلا لزم أن ينقلب خبر الله الذي يجب أن يكون صدقا : كذبا. وذلك محال. والمفضي إلى المحال محال. وتمام تقريره ، قد تقدم. وبالله التوفيق.
الحجة العاشرة : قوله تعالى : (قُلْ : هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذلِكَ ، مَثُوبَةً عِنْدَ اللهِ مَنْ لَعَنَهُ اللهُ ، وَغَضِبَ عَلَيْهِ ، وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنازِيرَ ، وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ) (١) وهذا تصريح بأنه تعالى جعلهم عبدة الطاغوت. ولا يمكن تفسير هذا الجعل بالحكم والتسمية. لأنه تعالى ذكر صيغة جعل ، ثم أسند هذه الصيغة إلى القردة ، ثم إلى الخنازير ، ثم إلى عبدة الطاغوت. ولا شك أن المراد من جعل ، عند إسنادها إلى القردة والخنازير ، هي التصيير ، والقلب من صفة إلى صفة. فوجب أن يكون المراد بإسنادها إلى عبدة الطاغوت هذا المعنى أيضا ، وإلا لزم استعمال اللفظ الواحد دفعة في حقيقته ومجازه معا. وإن ذلك محال.
__________________
(١) سورة المائدة ، آية : ٦٠.