والجواب : الدليل على أن الإيمان نعمة : الإجماع الذي نقلناه ، وإنكاره مكابرة. فإن أصروا على المنع. قلنا : الدليل على أن الإيمان نعمة : أن لفظ النعمة مستعمل في صور كثيرة. ولا بد من جعلها حقيقة في القدر المشترك بينها ، دفعا للاشتراك والمجاز. وكونه أمرا منتفعا به خاليا عن كل جهات المضرة ، قدر مشترك. فوجب جعل اللفظ حقيقة فيه. ولأنا إذا قلنا : إن الله تعالى أعطى فلانا نعمة ، لم يفهم إلا ما ذكرناه. فثبت : أن لفظ النعمة اسم لكل أمر منتفع به ، خالي عن جميع جهات المضرة. والإيمان كذلك ، فوجب أن يكون نعمة.
قوله : «لم لا يجوز أن يكون الإيمان من الله ، بمعنى أنه حصل بأمره وبإعانته»؟
قلنا : لأن كلمة «من» لابتداء الغاية. وإنما يصدق القول بأن هذه النعمة من الله تعالى ، إذا كان ابتداء حدوثها من الله. فلو كان إحداثها وإيجادها من العبد ، لم يصدق عليها أنها من الله. وأقصى ما في الباب : أنه قد يطلق هذا اللفظ على سبيل المجاز في بعض المواضع. إلا أن المجاز خلاف الأصل. والله أعلم.
الحجة الثانية : قوله تعالى : (فَمَنْ شاءَ فَلْيُؤْمِنْ ، وَمَنْ شاءَ فَلْيَكْفُرْ) (١) وهذه الآية هي التي يظن المعتزلة أنها في غاية القوة من جانبهم. وتقريره : أن نقول : فعل العبد موقوف على مشيئة العبد ، ومشيئة العبد موقوفة على مشيئة الله تعالى. ينتج : أن فعل العبد موقوف على مشيئة الله تعالى. وإنما قلنا : إن فعل العبد موقوف على مشيئة ، للقرآن والعقل. أما القرآن. فقوله تعالى : (فَمَنْ شاءَ فَلْيُؤْمِنْ ، وَمَنْ شاءَ فَلْيَكْفُرْ) دلت هذه الآية : على أن مشيئة الإيمان مستعقبة للإيمان ، ومشيئة الكفر مستعقبة للكفر. وظاهر أيضا : أن عند عدم هذه المشيئة لا يصدر الفعل عن القادر. وأما العقل. فهو أن القادر ، قادر على الضدين. أعني : الكفر والإيمان والمعصية والطاعة. فيمتنع أن
__________________
(١) سورة الكهف ، آية : ٢٩.