يترجح أحدهما على الآخر ، إلا بواسطة القصد والمشيئة.
وإنما قلنا : إن مشيئة العبد موقوفة على مشيئة الله تعالى للقرآن والعقل. أما القرآن. فقوله : (وَما تَشاؤُنَ إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ) (١) ومفعول هذه المشيئة : محذوف. فإما أن يكون التقدير : وما تشاءون إلا إن شاء الله ذلك الشيء ، أو يكون التقدير : وما تشاءون شيئا ، إلا إن شاء الله مشيئتكم لذلك الشيء.
والأول محال. لأن «زيدا» إذا شاء حركة جسم ، وشاء «عمرو» سكونه. فيلزم أن يقال : إن الله شاء حركته وسكونه معا. وذلك محال. ولما بطل هذا تعين حمل الآية على الوجه الثاني. فيكون التقدير : وما تشاءون شيئا إلا وشاء الله مشيئتكم لذلك الشيء. وأيضا : فالمشيئة مذكورة صريحا ، ومفعول المشيئة غير مذكور صريحا. فإذا حملنا هذه الآية على أن المراد : وما تشاءون شيئا إلا ويشاء الله مشيئتكم لذلك الشيء. كنا قد أضمرنا ما لم يسبق ذكره. ولا شك وأن الأول : أولى. فثبت : أن تقدير الآية : وما تشاءون إلا أن يشاء الله مشيئتكم لذلك الشيء. وهذا يدل على أن حصول المشيئة لنا موقوف على مشيئة الله تعالى.
وأما المعقول : فهو أنه يمكن أن يحصل للعبد مشيئة الإيمان ، وأن يحصل له مشيئة الكفر بدلا عن مشيئة الإيمان. فحصول إحدى المشيئتين بدلا عن الأخرى ، لا بد وأن يكون لترجيح مرجح. فإن كان ذلك للعبد ، عاد الطلب فيه. ويلزم التسلسل. وهو محال. وإن كان هو الله فهو المطلوب.
فثبت بالقرآن والبرهان : أن صدور الفعل عن العبد ، موقوف على مشيئة لذلك الفعل ، وثبت أيضا بالقرآن والبرهان : أن حدوث تلك المشيئة في قلب العبد متوقف على إن شاء الله إحداث تلك المشيئة في قلبه ، وثبت في بدائه العقول : أن الموقوف على الموقوف على الشيء ، موقوف على الشيء. فيلزم القطع بأن صدور الفعل عن العبد ، موقوف على مشيئة الله. وذلك هو
__________________
(١) سورة الانسان ، آية : ٣٠.