فثبت : أنه لا يمكنه أن يقصد إلى تحصيل الغفلة عن كذا ، إلا مع الشعور بكذا ، لكن الغفلة عن كذا مضادة للشعور. فثبت : أن العبد لا يمكنه إيجاد هذه الغفلة ، إلا عند اجتماع الضدين. وهذا محال ، فوجب أن يكون ذاك أيضا محالا. وإذا ثبت هذا ، ثبت أنه لا موجد لغفلات العباد إلا الله تعالى. وهذه نكتة قاطعة عقلية في بيان أن خالق الغفلات هو الله تعالى. وحينئذ نجعل نص القرآن مؤكدا لهذا البرهان. فثبت أن قوله : (وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنا) لا يمكن حمله ، إلا على خلق الغفلة في القلب.
أما قوله : «لو كان المراد ذلك ، لكان الواجب ذكر الفاء ، لا ذكر الواو».
فجوابه : إن هذا إنما يلزم لو كان اتباع الهوى من لوازم الإغفال عن ذكر الله ، كما أن الانكسار من لوازم الكسر. ومعلوم أنه ليس الأمر كذلك ، لأنه لا يلزم من صيرورة الإنسان غافلا عن ذكر الله ، صيرورته متبعا للهوى. لاحتمال أن يكون الغافل عن ذكر الله ، لا يصير متبعا للهوى. بل يبقى متوقفا ، لابثا في حيز الحيرة. فسقط ما قالوه.
الحجة السابعة : إن الله تعالى أخبر عن أكابر الأنبياء ـ عليهمالسلام ـ أنهم اعترفوا بأن الكفر والإيمان من الله. فقال حكاية عن إبراهيم ـ عليهالسلام ـ : (رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِناً وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنامَ) (١) وقال حكاية عن يوسف ـ عليهالسلام ـ : (وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَ) (٢) إلى قوله : (فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَ) (٣) وقال حكاية عن موسى ـ عليهالسلام ـ : (إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِها مَنْ تَشاءُ) (٤) وقال لمحمد صلوات الله عليه وسلامه : (وَلَوْ لا أَنْ ثَبَّتْناكَ ، لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلاً) (٥) وكل هذه النصوص دالة على أن الإيمان والكفر من الله.
__________________
(١) سورة ابراهيم ، آية : ٣٥.
(٢) سورة يوسف ، آية : ٣٣.
(٣) سورة يوسف ، آية : ٣٤.
(٤) سورة الأعراف ، آية : ١٥٥.
(٥) سورة الإسراء ، آية : ٧٤.