فإن قيل : هذا محمول على فعل الألطاف ، أو على الحكم والتسمية. قلنا : سبق الجواب عن الكل ، على سبيل الاستقصاء.
الحجة الثامنة : قوله : (إِنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (١) ومجيء ما يجري مجرى هذا اللفظ في القرآن كثير. فنقول : إن فعل العبد شيء ، فوجب أن يكون الله قادرا عليه ، بحكم هذا النص ، فثبت : أن مقدور العبد ، مقدور لله تعالى ، فوجب أن يقع بقدرة الله تعالى. لأنه لو وقع بقدرة العبد ، لامتنع على الله تعالى إيقاعه. لأن إيجاد الموجود محال. وذلك يفضي إلى أن العبد يعجز عن فعله. وذلك محال.
فإن قيل : قوله : (إِنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) عام دخله التخصيص من وجوه : منها : إن ذات الله وصفاته أشياء ، وهو غير قادر عليها. ومنها : إن الجواهر ـ حال بقائها ـ أشياء. وهو تعالى غير قادر عليها. لأن إيجاد الموجود محال. ومنها : إن الحركة شيء ، ثم إن إيجادها حال حصول ضدها محال. ومنها : إن الجوهر شيء ، ثم إن إيجاده حال عدم العرض محال. فثبت : أن هذا عام دخله التخصيص. فتصير دلالة هذا العام ظنية.
سلمنا : أن مقدور العبد مقدور لله تعالى ، فلم قلتم : إنه يجب وقوعه بقدرة الله تعالى ، وما ذكرتموه من التعجيز ، فهو لازم عليكم. لأنه تعالى إذا خلق شيئا ، امتنع عليه أن يخلقه مرة أخرى. فيلزمكم أن تقولوا : إن الله تعالى أعجز نفسه ، وهو محال.
والجواب : إنا ذكرنا مرارا : أن هذه الدلائل السمعية ظنية. وأما قوله : «يلزمكم أن الله إذا خلق شيئا ، أن يكون قد أعجز نفسه» قلنا : الإعجاز هو أن يصير بحيث لا يمكنه أن يفعل ما كان يمكنه أن يفعل ، بسبب منفصل. فالمقدور الواحد ، إذا كان مقدورا لله تعالى وللعبد. فإذا فعله العبد ، امتنع بهذا السبب أن يفعله الله تعالى ، فكان هذا تعجيزا. لأن هذا التعذر إنما جاء
__________________
(١) سورة البقرة ، آية : ٢٠.