وقوله : (أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ؟) (١) وقوله : (أَفَمَنْ شَرَحَ اللهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ) (٢) ولا معنى لانشراح الصدر ، إلا حصول العلوم والمعارف. فهذه النصوص كلها دالة على أن المعارف والعلوم إنما تحصل بخلق الله تعالى.
فإن قيل : لم لا يجوز أن يكون المراد من شرح الصدر ، إزالة الخوف والغم والحزن عنه ، بحيث لا يتأذى بكل ما يسمع من المكروهات؟ فالجواب عنه من وجهين :
الأول : إن كل ما يتعلق بالإقدار والتمكين ، وإزالة الموانع والعلل ، كان حاصلا قبل أن قال موسى ـ عليهالسلام ـ : (رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي) فيمتنع حمل هذا السؤال على تلك الأشياء.
الثاني : قيد هذا الشرح بالإسلام. فقال : (أَفَمَنْ شَرَحَ اللهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ) ثم قال : (فَهُوَ عَلى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ) وذلك النور ليس إلا المعرفة. والله أعلم.
الحجة الثانية عشر : أنه كما قال أولا : (رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي) قال بعده : (وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي) وهذا الأمر مجمل ، فوجب حمله على ما تقدم ذكره ، وهو قيامه بتبليغ الرسالة ، وشروعه في تلك المهمات على الوجه الأبلغ الأحسن. ولا يمكن حمل هذا التيسير على الإقدار ، وإزاحة العلل والأعذار. لأن كل ذلك ، كان حاصلا قبل هذا الدعاء. فوجب حمل هذا السؤال على خلق المعرفة والطاعة.
الحجة الثالثة عشر : قوله تعالى : (رَبَّنا لا تُزِغْ قُلُوبَنا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنا ، وَهَبْ لَنا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً) (٣) والاستدلال بهذه الآية من وجهين :
الأول : إنه تعالى إن كان لا يزيغ القلوب البتة ، ولا يجوز أن يصدر عنه
__________________
(١) سورة الشرح ، آية : ١.
(٢) سورة الزمر ، آية : ٢٢.
(٣) سورة آل عمران ، آية : ٨.