هذا الفعل ، كان هذا الدعاء طلبا لتحصيل الحاصل. وهو محال.
الثاني : إن القلب صالح ، لأن يميل إلى الإيمان ، وصالح لأن يميل إلى الكفر. ويمتنع أن يميل إلى أحد الجانبيين إلا لمرجح. وذلك المرجح هو حدوث داعية وإرادة في القلب. ولا يمكن أن يكون حدوث تلك الإرادة ، لإرادة أخرى. وإلا وقع التسلسل. فهي إرادة تحدث بإحداث الله تعالى. ثم تلك الداعية وتلك الإرادة. إن كانت داعية الكفر. فهي الخذلان والإزاغة والصد والختم والطبع والدين والقسوة والوقر والكنان. وغيرها من الألفاظ الواردة في القرآن. وإن كانت تلك الداعية داعية الإيمان ، فهي التوفيق والإرشاد والهداية والتسديد والعصمة. وغيرها من الألفاظ الواردة في القرآن.
وكان رسول الله صلىاللهعليهوسلم يقول : «قلب المؤمن بين اصبعين من أصابع الرحمن» والمراد من هاتين الإصبعين : هاتان الداعيتان. فكما أن الشيء الذي يكون بين إصبعي الإنسان يقلب كما يقلبه الإنسان بواسطة ذينك الإصبعين فكذلك القلب لوقوعه بين داعيتي الفعل والترك يتقلب كما يقلبه الحق ـ سبحانه ـ بواسطة تينك الداعيتين. ومن أنصف ولم يتعسف ، وجرب نفسه ، وجد هذا المعنى كالشيء المحسوس. ولو جوّز العاقل حدوث إحدى الداعيتين من غير محدث ، لزمه نفي الصانع.
وكان صلوات الله عليه يقول : «يا مقلب القلوب ، ثبت قلبي على دينك» ومعناه : ما ذكرناه. فلما أخبر الله تعالى عن الراسخين في العلم أنهم يقولون : «آمنا» بالمحكمات والمتشابهات ، وأن كلها «من عند» الله ، حكى عنهم أنهم تضرعوا في أن لا يجعل قلبهم مائلا إلى الباطل ، بعد أن جعله مائلا إلى الحق. فهذا كلام عقلي برهاني قاطع متأكد بهذا التقرير القرآني.
فإن قيل : لما دلت الدلائل على أن الزيغ لا يجوز أن يخلقه الله تعالى ، وجب حمل هذه الآية على التأويل. وهو من وجوه :
الأول : قال «الجبائي» : المراد بقوله : (لا تُزِغْ قُلُوبَنا) أي لا تمنعها الألطاف التي معها تستمر القلوب على صفة الإيمان. وذلك لأنه تعالى لما منعهم