ألطافه عند ما صاروا مستحقين لذلك المنع ، جاز أن يقال : إنه تعالى أزاغهم. ويدل على صحة هذا الوجه : قوله تعالى : (فَلَمَّا زاغُوا ، أَزاغَ اللهُ قُلُوبَهُمْ) (١).
قال : «أبو بكر الأصم» : معناه : لا تسلط علينا بلايا ، تزيغ عندها قلوبنا. وهو كقوله تعالى : (وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنا عَلَيْهِمْ : أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ، أَوِ اخْرُجُوا مِنْ دِيارِكُمْ. ما فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ) (٢) وقال : (لَجَعَلْنا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمنِ ، لِبُيُوتِهِمْ سُقُفاً مِنْ فِضَّةٍ) (٣) فصار حاصل هذا الوجه : لا تكلفنا من العبادات ما لا نأمن معها من الزيغ. وقد يقول القائل : لا تحملني على إيذائك ، وعلى سوء الأدب عندك. أي لا تفعل بي ما أصير عنده سيئ الأدب عندك.
الثالث : قال «الكعبي» : (لا تُزِغْ قُلُوبَنا) أي لا تسمنا باسم الزائغ ، كما يقال: فلان يكفر فلانا ، إذا سماه كافرا.
الرابع : قال «الجبائي» : (لا تُزِغْ قُلُوبَنا) عن طريق الجنة ، ودار الثواب. ويرجع حاصله إلى فعل الألطاف. فيكون هذا هو الوجه الأول. أو يحمل ذلك على شيء آخر. وهو أنه تعالى : إذا علم أنه مؤمن في الحال ، وعلم أنه لو بقي إلى السنة الثانية : كفر. فقول : (لا تُزِغْ قُلُوبَنا) محمول على أن يميته قبل أن يصير كافرا. فإن أبقاه حيا إلى السنة الثانية ، يجري مجرى ما إذا أزاغه عن طريق الجنة.
الخامس : قال «الأصم» : (لا تُزِغْ قُلُوبَنا) عن كمال العقل بسبب خلق الجنون فينا (بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنا) بنور العقل.
السادس : قال «أبو مسلم الأصفهاني» : احرسنا من الشيطان ، ومن شرور أنفسنا حتى لا نزيغ.
__________________
(١) سورة الصف ، آية : ٥.
(٢) سورة النساء ، آية : ٦٦.
(٣) سورة الزخرف ، آية : ٣٣.