والجواب :
أما التأويل الأول : فضعيف. لأن مذهبهم : أن كل ما أمكن في قدرة الله تعالى أن يفعل في حقهم من الألطاف ، فقد وجب ذلك وجوبا ، لو ترك لبطلت إلهيته ، ولصار جاهلا أو محتاجا. والشيء الذي يكون ، فأي حاجة إلى الدعاء والتضرع في طلبه؟
وأما الثاني : فضعيف أيضا. لأن التسديد في التكليف. إن علم الله أن له أثرا في حمل المكلف على القبيح ، كان فعله من الله قبيحا. وإن علم أنه لا أثر له في حمل المكلف على فعل القبيح ، كان وجوده كعدمه ، فيما يرجع إلى كون العبد مطيعا وعاصيا. فلا فائدة في صرف الدعاء إليه.
وأما الثالث : وهو أن يكون المراد أن لا يوقع الله علينا اسم الزيغ. فقد تقدم جوابه.
وأما الرابع : فجوابه : أنه لو كان علمه بأنه يكفر في السنة الثانية ، يوجب عليه أن يميته في الحال ، لكان علمه بأنه يكفر طول عمره ، يوجب عليه أن لا يخلقه البتة.
وأما الخامس : وهو حمله على إبقاء العقل. فضعيف. لأن هذه الآية متعلقة بما هو مذكور قبل هذه الآية. وهو قوله : (فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ).
وأما السادس : وهو أن يحمل ذلك على الحراسة من الشيطان ، ومن شرور النفس. فنقول : ذلك إن كان مقدورا لله ، فقد وجب فعله ، فلا فائدة في طلبه. وإن لم يكن مقدورا فلا فائدة في الدعاء. فظهر بما ذكرنا : سقوط جملة هذه الوجوه.
ثم نقول : المصير إلى هذه التأويلات. إنما يحسن إذا دل الدليل على تعذر إجراء هذا النص ، فهو الحق الصريح. وإذا كان كذلك ، فكيف يصار فيه إلى التأويل.