الحجة الرابعة عشر : قوله تعالى : (وَإِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ. يَقُولُوا : هذِهِ مِنْ عِنْدِ اللهِ ، وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ. يَقُولُوا : هذِهِ مِنْ عِنْدِكَ. قُلْ : كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللهِ) (١) وجه الاستدلال : إن لفظ السيئة يقع على البلية تارة ، وعلى المعصية أخرى. وأيضا : الحسنة تقع على النعمة تارة ، وعلى الطاعة أخرى. قال تعالى : (وَبَلَوْناهُمْ بِالْحَسَناتِ وَالسَّيِّئاتِ. لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) (٢) وقال : (إِنَّ الْحَسَناتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ) (٣) أي الطاعات والمعاصي.
إذا عرفت هذا فنقول : إن قوله : (إِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ) يفيد العموم في كل الحسنات. وقوله : (وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ) يفيد العموم في كل السيئات. ثم قال بعده : (قُلْ : كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللهِ) فهذا تصريح بأن جميع الحسنات والسيئات من الله تعالى. ولما ثبت أن الطاعات والمعاصي داخلتان تحت اسم الحسنة والسيئة ، ودل هذا النص على أن جميع الحسنات والسيئات من الله ، لزم القطع بأن جميع المعاصي والطاعات من الله تعالى.
فإن قيل : المراد هاهنا بالحسنة والسيئة ، ليس هو الطاعة والمعصية. ويدل عليه وجوه:
الأول : اتفاق الكل على أن هذه الآية نازلة في معنى الخصب والجدب. قال المفسرون: كانت المدينة مملوءة من النعم ، وقت مقدم النبي صلىاللهعليهوسلم ، فلما ظهر عناد اليهود ونفاق المنافقين ، أمسك الله عنهم بعض الإمساك ، كما جرت عادته في جميع الأمم. قال تعالى : (وَما أَرْسَلْنا فِي قَرْيَةٍ ، مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا أَخَذْنا أَهْلَها) (٤) فعند هذا قال اليهود والمنافقون: ما رأينا أعظم شؤما من هذا الرجل. نقصت ثمارنا ، وغلت أسعارنا ، منذ قدم. فكان قوله : (إِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ) يعني الخصب ورخص السعر وتتابع الأمطار. قالوا : (هذا مِنْ عِنْدِ
__________________
(١) سورة النساء ، آية : ٧٨.
(٢) سورة الأعراف ، آية : ١٦٨.
(٣) سورة هود ، آية : ١١٤.
(٤) سورة الأعراف ، آية : ٩٤.