أراد بعبد خيرا قيّض له ملكا قبل موته ، فسدده حتى يموت على الخير. فإذا رأى عند القرب من الموت مما يتنزل عليه من الرحمة والبركة ، أحب لقاء الله ، وأحب الله لقاءه ، وإذا أراد بعبد شرا ، قيض له شيطانا قبل موته ، فأغواه. فإذا حضره الموت رأى المكروه. فعند ذلك يكره لقاء الله ، ويكره الله لقاءه».
المثال الرابع : روي أنه عليهالسلام قال : «ولد الزنا شر الثلاثة» فقال ابن عمر : بل ولد الزنا خير الثلاثة : والنبي عليهالسلام إنما قال ذلك في ولد زنا بعينه.
فثبت : أن الكلام قد يكون مسبوقا بمقدمة ، ويتغير المعنى بسبب تغير تلك المقدمة. فإذا لم يسمعها الراوي ، تغير المقصود جدا.
الوجه السابع من وجوه الطعن : اختلاف الإعراب : فإن الحركات الإعرابية قد تخفى وتشتبه. فيتغير المعنى بسبب ذلك. كما في قوله : فحج آدم موسى. فإنك لو نصبت آدم ، كان المعنى شيئا. ولو رفعته كان المعنى ضد ذلك.
الوجه الثامن : أن الراوي قد يروي على سبيل التأويل : روى أن أبا هريرة كان في سفر ، فلما نزل القوم ، ووضعوا السفرة ، بعثوا إليه واحدا ، وهو يصلي. فقال : إني صائم ، فلما كادوا أن يفرغوا ، جاء أبو هريرة ، وشرع في الأكل ، فنظر القوم إلى رسولهم. فقال : ما تنظرون إلي؟ والله قد أخبرني أنه صائم. فقال أبو هريرة : صدق. سمعت رسول الله يقول : «من صام ثلاثة أيام من كل شهر ، فقد صام الشهر كله» وقد صمت ثلاثة أيام من كل شهر. فأنا صائم الشهر كله. وتصديق ذلك في كتاب الله : (مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ ، فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها) (١).
وأقول : لو أن أبا هريرة لم يكشف عن مراده ، لحصل التلبيس. ولكنه لما بين ذلك ، علموا أنه إنما قال ذلك على سبيل التأويل. وإذا كان كذلك فلا
__________________
(١) سورة الأنعام ، آية : ١٦٠