موصوفا بالنبوة والعلم ، وكونه مسجودا للملائكة. فكيف يليق بموسى أن يخاطبه بمثل هذا الإيذاء الشديد ، ويقول له : أنت أغويت الناس؟.
الثالث : إن الدليل دل على أن الزلة التي صدرت من آدم ، كانت من باب ترك الأفضل. أو من باب الصغائر. وعلى كلا التقديرين ، فإنه لا يجوز إلحاق الذم به ، بسبب ذلك. فلو فعله موسى ، لدل على جهله. وحاشاه عنه.
الرابع : أنه قال لآدم : «أنت الذي أشقيت الناس ، وأخرجتهم من الجنة» وقد علم موسى عليهالسلام أن شقاء الخلق وإخراجهم من الجنة ، ما كان بسبب آدم ، بل الله خلقهم ليكونوا في أول الأمر في الأرض. قال تعالى : (وَإِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ : إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً) (١).
الخامس : إن آدم عليهالسلام احتج بما ليس بحجة. إذ لو قلنا : إن الله لما كتب عليه ذلك ، كان ذلك حجة لآدم. وقد كتب الله الكفر أيضا على فرعون ، وهامان ، وسائر الكفار. فوجب أن يكونوا معذورين فيه. ولما بطل ذلك ، علمنا فساد هذه الحجة.
السادس : إن الخبر اشتمل على أن رسول الله عليهالسلام : صوّب آدم في هذا الاستدلال. فلما ثبت أن هذا الدليل خطأ ، لزم أن يكون تصويب النبي عليهالسلام ، لآدم عليهالسلام. في هذا الاستدلال : خطأ.
السابع : إن الدلائل العقلية قامت على فساد القول بالجبر ، والقرآن من أوله إلى آخره ناطق بفساد الجبر. وخبر الواحد إذا ورد على خلاف العقل ، وخلاف القرآن : وجب تأويله ، إن قبل التأويل ، ورده إن لم يقبل التأويل. وهذا الخبر يقبل التأويل من وجوه :
الأول : لعله صلىاللهعليهوسلم كان قد حكى هذا الكلام عن اليهود ، إلا أن الراوي
__________________
(١) سورة البقرة ، آية : ٣٠.