وكتبه في الكتاب ، صار واجب الوقوع ، وإلا لزم الجهل والكذب.
وأيضا : فقوله عليهالسلام «أدرك ذلك لا محالة» مشعر بأنه يجب صدور ذلك الفعل عنه. وذلك يبطل قول المعتزلي.
الحجة الثامنة : ما رواه مالك بن أنس في «الموطأ» أن عمر بن الخطاب ، سئل عن قوله تعالى : (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ ، مِنْ ظُهُورِهِمْ ، ذُرِّيَّتَهُمْ. وَأَشْهَدَهُمْ عَلى أَنْفُسِهِمْ : أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ؟ قالُوا : بَلى) (١) قال عمر بن الخطاب : سئل رسول الله عنها ، فقال رسول الله : «إن الله خلق آدم ، ثم مسح ظهره بيمينه ، فاستخرج منه ذريته ، فقال : خلقت هؤلاء للجنة ، وبعمل أهل الجنة يعملون. ثم مسح ظهره ، فاستخرج منه ذرية ، فقال: خلقت هؤلاء للنار ، وبعمل أهل النار يعملون. فقال رجل : ففيم العمل يا رسول الله؟ فقال عليهالسلام : إن الله إذا خلق العبد للجنة ، استعمله بعمل أهل الجنة ، حتى يموت على عمل من أعمال أهل الجنة ، فيدخله به الجنة. وإذا خلق العبد للنار ، استعمله بعمل أهل النار ، حتى يموت على عمل من أعمال أهل النار ، فيدخله به النار».
والاستدلال بهذا الخبر كما تقدم. وقوله : «استعمله بعمل أهل الجنة» معناه : بخلق الدواعي الموجبة للأفعال المخصوصة. واعلم : أن هذه الأحاديث بأسرها صريحة في أن الحق ما اخترناه من أن مجموع القدرة مع الداعي : مستلزم للفعل.
الحجة التاسعة : روى مسلم في صحيحه بإسناده عن عائشة قالت : أدرك النبي صلىاللهعليهوسلم جنازة صبي من صبيان الأنصار. فقالت عائشة : طوى له عصفور من عصافير الجنة. فقال عليهالسلام : «وما يدريك؟ إن الله خلق الجنة ، وخلق لها أهلا ، وهم في أصلاب آبائهم. وخلق النار ، وخلق لها أهلا ، وهم في أصلاب آبائهم».
ووجه الاستدلال به : ظاهر. كما تقدم : واعلم : أنا ذكرنا في باب
__________________
(١) سورة الأعراف ، آية : ١٧٢.